بعد أن انتهى المصلون من الصلاة وخرجوا من باب المسجد، عاد أحدهم وتقدم إلى الإمام، وقد بدا متردداً في تسليم ورقة صغيرة له، حزم أمره أخيراً وسلمها، قرأها الإمام بصوت منخفض، كانت أمر تكليف حاملها بالقيام بوظيفة الإمامة في المسجد، ابتسم الإمام المصري للرجل الكويتي الذي عهد إليه بالإمامة ليوم قريب.
ابتسامة الرضا بالأمر المكتوب وحكم الواقع لم تغط الغمة التي اجتاحت الإمام المصري، أخذ يحدث نفسه عن السنوات الطويلة التي قضاها بالإمامة في الدولة، وعلاقته الروحية بالمصلين، فهل انتهى أمره بهذه الصورة، هل هذا جزاء الوفاء، وهل أضحى سنمار اليوم؟!
في منزله المتواضع أخبر زوجته، طمأنته بأن تكليف الإمام الكويتي لا يعني الاستغناء عن خدماته، فليس هناك كتاب إنهاء خدمة من الوزارة، اطمأن قلبه قليلاً، التقى مع الرجل الذي سلّمه الورقة وهو الإمام الكويتي المفترض، طلب منه التنسيق لتحديد أوقات الإمامة، اعتذر الإمام الكويتي بعد أن عرفه بأن اسمه الشيخ ناصر عن إمامة صلاة الفجر، فهو يعمل بالوزارة، ولا يستطيع، أيضاً، الإمامة لصلاتي الظهر والعصر، لالتزامه بالعمل في الإذاعة، أما أوقات صلاتي المغرب والعشاء فهذا صعب عليه، فهو يعمل بإحدى الجمعيات التعاونية، ولا يمكنه الإمامة في تلك الأوقات… انتهت الحكاية باتفاق الطرفين بأن يقوم الإمام المصري بالإمامة في كل صلاة، أما الشيخ ناصر فله أعماله ومصادر أرزاقه المتعددة، صمت الإمام المصري بعد خروج الشيخ ناصر، ثم أطرق قليلاً وأجهش في البكاء!!
كانت تلك حكاية فيلم قصير كتبها الزميل عبدالله العتيبي، وأنتجها وأخرجها عامر الزهير، لكن هل كانت حكاية إمام وافد قضى نصف عمره يعمل مخلصاً بالبلد، وإمام كويتي فرشت له الدولة بقوانينها ولوائحها الكثيرة كل سبل الرزق والاسترزاق من الجنسية، فهرب من أبسط مسؤوليات عمله وألقاها حملاً ثقيلاً على الوافد، أم انها حكاية دولة، وواقع ريعي مريض؟!
الإمام ناصر مجرد رمز لحالة التواكل العامة بالدولة على عمل الوافدين، الذين عليهم اليوم، في الوقت ذاته، دفع ضريبة تناقص الدخل العام بعد انخفاض برميل النفط، فهم من يطالب بعض النواب بإلزامهم بدفع رسوم تحويلات راتبهم، أما تحويلات البلايين التي نهبت من الأموال العامة من عيال بطنها فلا أحد يتحدث عنها من ممثلي الأمة، وهم من عليهم تحمل التشدد في قوانين المرور، بعقوبة الإبعاد وقطع أرزاقهم… وهم من عليهم القيام بكل الأعمال التي يرفضها ويترفع عنها أبناء البلد… شارلوت ليفن في بحثها بعنوان “الدولة الريعية وديمومة الملكيات المطلقة” (بالإنكليزي) كتبت “تقسيم العمل الأساسي بدولنا يقوم على ثنائية مواطنين وأجانب، الأخيرون مهمتهم ملء فراغ الأعمال التي لا يقوم بها ابن البلد، كي ننتهي بأن عوائد الريع وامتيازاته تخصص للمواطنين…”.
كثير من هؤلاء المواطنين وليس كلهم من شاكلة الشيخ ناصر، معظم الوافدين نماذج متكررة من الإمام المصري، لم تكن حكاية إمام مسجد، بل كانت حكاية بلد من الخليج… كارثة الدولة اليوم ليست بانخفاض سعر برميل النفط، إنما بحكاية الإمام والشيخ ناصر.