هناك خطأ كبير برأيي يقترفه من يدعو بلا شروط أو ضوابط إلى ضرورة «المصالحة» بين السلطة، وبين من شق عصا الطاعة عنها من جماعات المعارضة الجديدة، خصوصاً أن وضع هؤلاء ليس بالمأساوية التي يدّعون، وليس على الإطلاق بحجم الأنين والضجيج الذي يطلقونه. لم يضطهد أحد منهم، ولم تنتهك بشكل خاص وذاتي حقوق أي فرد منهم. فهم ما زالوا مثل غيرهم يحاكمون وفق القوانين التي «أقروها»، ويتعرضون للعقوبات التي اجتهدوا لفرضها على الغير. ولم تصدر أحكام نهائية بالسجن ضد أغلبهم باستثناء مسلم البراك. بل إن الأغلبية نالوا الكثير من الإنصاف القضائي بصدور أحكام إدانة مع وقف التنفيذ. علماً بأن البعض منهم انتهكوا الدستور، وليس القانون بتطاولهم على الذات الأميرية.
إذاً، الذي يحتاج إلى المصالحة الحقيقية هو الوضع العام. المصلحة الوطنية التي تم اضطهادها من قبل السلطة تارة، ومن قبل المجاميع المرتبطة والمتحالفة معها تارة أخرى. المضطهد هو دستور 1962 الذي تراجعت عنه السلطة، وقفزت عليه المعارضة الجديدة. ما يجري حالياً ليس صراعاً يشعله تناقض حقيقي بين أطراف متناقضة المصالح ومتعارضة المفاهيم، بل إن ما يجري هو أقرب إلى «صراع شطار»، وخلاف على اقتسام «سلطة الأمة» التي يسعى كل طرف إلى مصادرتها لمصلحته عوضاً عن المصلحة العامة.
ليس هناك تناقض حقيقي بين القوى المتسيدة سياسياً، والقوى المتسيدة اجتماعياً. فقد «وافق شن طبقة». والاثنان يملكان ذات العقلية المتهيبة من التغيير الديموقراطي، ويتجنبان التنمية الحقيقية التي تتطلب الانعتاق من هيمنة العقلية القديمة، وتبني مفاهيم ورؤى القرن الحادي والعشرين. الطرفان يجتهدان لمصادرة سلطة الأمة، إن كان لمصلحة فرض مصالح وتطلعات الأسرة الحاكمة، أو بسط الهيمنة القبلية، أو فرض التدين على المجتمع. ففي النهاية تبقى الأمة هي الضحية الحقيقية. الضحية التي تُسلب سلطتها باسم الموروث والتقاليد تارة، وباسم التدين والفروض الإلهية تارة أخرى، وأحياناً كثيرة بفرضية «الشيوخ أبخص».
ليس هنا مضطهد حقيقي.. فالنفط يتكفل بتغطية وتسوية أي أضرار يتعرض لها الفرد أو حتى الجماعة. ولكن تبقى سلطة الأمة ودستور 1962 والحريات والحقوق السياسية التي كفلها هذا الدستور هي المضطهد الوحيد في الكويت.