بعيدا عن الأدعية والتمنيات، إلى متى ستبقى الدول الخليجية القليلة السكان الثرية نقديا، والفقيرة حضاريا والضعيفة عسكريا، بمنأى أو في مأمن من احداث المنطقة ونيرانها الصديقة والعدوة، وتوحش جماعاتها الإرهابية، وصراعاتها الطائفية؟
لقد كانت الجبهة العربية ـ الإسرائيلية لسبعين عاما الجبهة الوحيدة الساخنة في المنطقة، ولكنها أصبحت اليوم الأكثر برودة، بعد ان أخذت منها الجبهات العربية – العربية الحرارة!
واضح أن وضع معظم الدول العربية ينحدر من سيئ لأسوأ، فاليمن بحاجة للمساعدة، وليبيا تتفكك، وحكومتها لا تحكم ثلث مساحتها، وهكذا الحال مع سوريا والعراق والصومال والسودان وغيرها. كما أن النسبة الأكبر من لاجئي العالم هم عرب، وتنظيم داعش الإرهابي في توسع، ولا ننسى الصراع السني ـ الشيعي، والشيعي ـ الشيعي والسني ـ السني، في ظل غياب أي استراتيجية، عربية أو غربية، واضحة للخروج من المآزق التي وجدت الكثير من الدول العربية نفسها فيها، والتي يبدو انها في تفاقم مستمر.
ما أؤمن به شخصيا ان ليس لأميركا دخل مباشر بما يحدث عندنا! المشكلة هي فينا ومنا، فلو لم نكن بكل هذا الضعف والهوان لما تجرأ أحد على استغلال أوضاعنا. لقد عاشت إسرائيل بيننا قرابة سبعين عاما، وهي اليوم من اكثر دول العالم تقدما وديموقراطية ورخاء، ومع هذا لم نتعلم منها شيئا! وبالتالي تستغل الدول الكبرى نقاط ضعفنا، مع ما نمتلكه من مواقع استراتيجية واموال طائلة لا نعرف كيف نستغلها، ونسمي ذلك مؤامرة، والذنب ليس ذنبها بقدر ما هو ذنبنا، فأميركا تعلم أنها إن لم تستغل غباءنا فسيقوم بذلك اعداؤها، او حتى حلفاؤها.
هناك أصوات داخل أميركا تطالبها بالانعزال عن مشاكل الشرق الأوسط، بعد ان اثبت بعضنا للعالم انهم «حفنة أغبياء تود الانتحار». وهناك تيار آخر يطالبها بالتدخل. ولكن اميركا ضائعة اليوم، فقد تدخلت بكل قوتها في العراق فأغضبت الجميع ولم ترض أحدا. ولم تتدخل في ليبيا بجنودها، ولكن كان لها دور في الإطاحة بالقذافي، فخرجت ملامة من أعدائها وحلفائها. ولم تتدخل في سوريا ولم يكن لها دور، ومع هذا لامها الصديق قبل العدو. أما في تونس فلم تتدخل ولم يكن لها دور ومع هذا اصبحت تونس مستقرة وديموقراطية، لأول مرة في تاريخها! وهنا تتساءل النخب السياسية في أميركا: ما الذي بوسع أميركا القيام به في الشرق الأوسط؟ الجواب ليس سهلا، ويجيب الباحث Philip Gordon في Politico Magazine عليه بالقول: إن على أميركا تحديد أولوياتها وحلفائها، وان تحافظ على أمن خطوط الملاحة في المنطقة، وتمنع انتشار الأسلحة النووية فيها، وأن تبذل جهدها لمنع حصول دولة إرهابية على الأمان فيها، ومنع وقوع حرب، أو صراع عربي ـ إسرائيلي. أما الأمور الأخرى فليست ذات اهمية.
والآن هل بإمكان دولنا استيعاب مثل هذه الدروس والدراسات؟