«تصفيد الشياطين» في شهر رمضان المبارك، كما ورد من الأحاديث النبوية الشريفة عن النبي محمد (ص)، أمر يمكن أن نستشعره كثيراً في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية. فها نحن نتبادل التهاني والتبريكات بشهر هو عند الله من أفضل وأعظم الشهور، نسأل الله أن يعيننا على صيامه وقيامه ونيل أعلى درجات الثواب والمغفرة.
وعوداً إلى موضوع «تصفيد الشياطين»، فإن الغاية من طرح هذا النقطة هو ما نعيشه في المجتمع البحريني من حالة فريدة تتكرر كل عام، لتثبت أن البيت البحريني «الأصيل»… الأصيل، دون سواه، لا يمكن أن يتخلى عن مبادئه في الترابط والتلاحم والتعاضد بين الطائفتين الكريمتين، بل وسائر الأديان والطوائف، غير أن المقلق والمثير للحنق في بعض الأحيان، والحيرة في أحيان أخرى، أن شياطين الطائفية والتدمير الوطني يبدون وهم في غاية الهدوء والوداعة خلال الشهر الفضيل، ثم ما يلبثون أن يعودوا إلى سابق عهدهم بعد انقضاء الشهر، وربما وجدوا في التخلص من أصفادهم فرصة ليعودوا إلى شيطنتهم.
ما يجمع الناس في البلد خلال شهر رمضان المبارك من مجالس ولقاءات وأمسيات، أليس ممكناً طيلة العام؟ ولماذا تشيع روحية التواد والتراحم بين أهل البحرين من كل المدن والمناطق والقرى وتختفي بعد شهر رمضان؟ ولا أقول أنها تختفي بشكل كلي تماماً، لكن بالطبع، لا تقارن ولو بنسبة النصف مما هو الحال في شهر رمضان المبارك، لذلك نتمنى أن يكون شهر رمضان هذا العام منطلقاً لتواصل حقيقي دائم.
لا بأس أن ينطلق من بركات الشهر الفضيل ويستمر طيلة العام بين العوائل والشخصيات البحرينية الفاعلة وذلك لإتاحة الفرصة للتباحث والتفاهم حول قضايا كثيرة عالقة وشائكة ومؤثرة بشكل سلبي على الأوضاع في البلد، ومنها الأوضاع السياسية والاقتصادية. الكل يرغب في حلول جذرية بعيدة عن الحلول الأمنية والعلاجات الترقيعية، فالأزمة السياسية إن لم يتم وضعها في إطار الحلول التوافقية بين الحكومة والمعارضة، وبالعمل على إشاعة حالة التسامح والسلام بين مختلف المكونات والتصدي للطائفية والتكفير والتشدد من أي طائفة أو طرف كان (وأكرر من أي طائفة أو طرف حتى لا ينبري البعض للمز ضد هذه الطائفة أو تلك)، أقول إن لم نتمكن من تحقيق حالة التلاقي الدائم للنظر في قضايانا الوطنية، فإن ثمة أزمة تلو أزمة تلوح بالأفق ولن تنفع لا معالجات أمنية ولا ترقيعية.
من خلال تجوالي في بعض المواقع، أعجبني موضوع يتحدث عن شهر رمضان في نيجيريا، ولعل تجربة نيجيريا يمكن أن تفيدنا، فلا بأس من الاستفادة من تجارب من عملوا بوطنية عالية وبقناعة بعيداً عن التمييز والطائفية والعنصرية، فالنصارى في نيجيريا يستغلون شهر رمضان لترسيخ شعار الوحدة الوطنية، وهم بذلك يسعون للتصدي إلى المواجهات التي قد تشتعل بين المسلمين والنصارى في عدد من الولايات في البلاد، بل ويستشعر النصارى قيم الفضائل والصبر والتحمل التي يتمتع بها المسلمون في الشهر الفضيل، فيشعرون بالتعامل المتسامح والطيب بين المسلمين وسائر الأديان والملل.
ومما قرأت أنه «رغم المناوشات التي تحدث بين المسلمين والنصارى، إلا أن اتحاد الأساقفة النيجيري يرفض محاولات إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام أو أي دين سماوي، مؤكداً أن تعاليم الإسلام ومبادئه السمحة دائماً ما تدعو إلى السلام، ودائماً ما يطمئن علماء الدين الإسلامي الأوساط المسيحية الخائفين من تطبيق الشريعة، أن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية لا يشكل خطراً عليهم، بل يعد مصدر أمن ومظلة استقرار، ويؤكد علماء المسلمين في نيجيريا أنه لا إكراه على الدخول في الإسلام، ويستغل علماء الدين المسلمون شهر رمضان بنيجيريا في إلقاء الدروس التي تحض على التعايش بين المسلمين وغيرهم، ويتم ذلك في كل مساجد نيجيريا، وقد أصبحت مسألة المعاملة بين المسلم مع غير المسلمين محوراً رئيسياً لأحاديث ودروس عدد من كبار العلماء في رمضان» (انتهى الاقتباس).
هناك في نيجيريا، لم يكفّر المشايخ والخطباء والعلماء غيرهم من طوائف الإسلام أو الديانات الأخرى. ولم يتم تشغيل التلفاز والفضائيات ووسائل التواصل والإعلام الجديد لنشر الطائفية والتناحر والتكفير والتشدد. هناك في نيجيريا لم يتم إطلاق تسميات من قبيل «ناصبي، رافضي، ذنب إيران، ولد المتعة، الوهابي، الكافر، المشرك»، على بعضهم البعض. وحدث أن حاول بعض المتشددين فعل ذلك الأمر، فكان مصيرهم الاعتقال ثم المحاكمة ثم العقوبة القانونية الصارمة.
يعني باختصار، شهر رمضان في نيجيريا، على سبيل المثال، ليس نفاقاً. إنه تجربة حقيقية بين المسلمين وغير المسلمين لأن يتعايشوا بسلام في رحاب أعظم وأقدس الشهور عند رب العباد.