في استبيان للآراء أجري عام 2007 في أربع دول إسلامية هي مصر والمغرب وباكستان وإندونيسيا، كانت النتيجة هي ثلاثة من أربعة في الاستبيان يفضلون التطبيق الحازم للشريعة والنأي بالدول الإسلامية عن “القيم الغربية”. ثلثا الذين تم استفتاؤهم في تلك الدول يؤيدون قيام دولة إسلامية واحدة، أو أن تكون تحت الخلافة الإسلامية (من كتاب جون أوين مواجهة الإسلام السياسي والدروس الستة من التاريخ الغربي).
أيضاً في استبيان آخر عام 2012 أجرته “بو” (PEW) لاستطلاعات الرأي فإن 60٪ من المصريين يؤيدون التطبيق الحازم للشريعة، مقابل 32٪ يؤيدون استلهام القيم الإسلامية دون التطبيق المتشدد، مقابل 6٪ يعترضون على تطبيق الشريعة، 2٪ لا يعرفون. في الأردن تكون النسب 72٪ تطبيق شامل للشريعة، 26٪ استلهام القيم الإسلامية، 6٪ معارضون، 2٪ لا يعرفون.
أما في باكستان فالنسب كالآتي حسب التصنيف السابق 82٪، 15٪، 1٪، 2٪. في تركيا 22٪ يؤيدون التطبيق الكامل، 46٪ استلهام القيم الإسلامية، 27٪ معارضون، 10٪ لا يعرفون. في لبنان تكون كالآتي حسب التصنيف السابق من مؤيد إلى لا يعرف 17٪، و35٪، و42٪، و6٪، وفي تونس 22٪، و64٪، و12٪ معارضون، و2٪ لا يعرفون… (المرجع السابق) لبنان بسبب التركيبة الدينية للسكان هي الأقل حماساً للشريعة، بعدها تركيا وتونس، الأولى حملت تراث كمال أتاتورك العلماني الصلب، والثانية حملت إرث الحبيب بورقيبة.
ماذا تخبرنا الاستبيانات السابقة غير أن الأغلبية في دولنا تؤيد التوجهات الإسلامية التي تتراوح بين التشدد في شعار “الإسلام هو الحل” أو استلهام القيم الإسلامية في كل مناهج الحياة… ولو حدث أن أجريت انتخابات عامة حرة، فمن سيكون الفائز غير الأحزاب الإسلامية، وهذا ما حدث في مصر مثلاً، أي إن “اللحظات الليبرالية” للدكتور سعد الدين إبراهيم ولت إلى غير رجعة، وعادت الأمور إلى سابق عصرها، إلى التاريخ القديم والهوية الدينية الإسلامية، وكل الذي حدث في نهايات القرن التاسع عشر أن المسلمين صعقهم برق الحداثة والتقدم لفترة بسيطة و”للحظات” ثم عادوا ليتشبثوا بالهوية التاريخية، بعد أن وجدوا أنفسهم ضائعين وتائهين وممزقين حسب خرائط دول الاستعمار الأوروبية وتقسيمها للمنطقة في محادثات سايكس بيكو أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، ونعرف بقية الحكاية… وكيف انتهينا بأنظمة عسكرية، بعد الاستقلال أو أنظمة مشيخات محافظة لم تطلق التراث الديني تماماً، فأبقت عليه في قانون الأحوال الشخصية، وشددت في دساتيرها الشكلية على مواد تؤكد على أن الشريعة مصدر رئيسي للتشريع، مع بقاء القبضة التسلطية، أرادت تلك الأنظمة إصابة عصفورين بحجر واحد لتغيب الشرعية الدستورية وتبقي على شكل من الشرعية الدينية، ونجحت لفترة من الوقت لا نعلم متى ستطول.
هل هناك خيار آخر للأمة الإسلامية متى تم استبعاد وقمع خيارها الإسلامي المعتدل بعودة العسكر ومساندة بعض الأنظمة الخليجية للنظام القديم؟! وماذا نتوقع من شباب محبط اجتماعياً واقتصادياً، حظه من الثقافة الإنسانية (وليس التعليم فقط) بائس غير الأحزمة الناسفة والهجرة للجهاد؟ أغلقت الأنظمة الحاكمة صناديق الانتخابات بالقوة، والنتيجة هي أن فتحت بجهلها وجبروتها صندوق بندورا الداعشي.