قرأت ما كتبه الأخ الزميل عبداللطيف الدعيج يوم الأربعاء 10 – 6 – 2015، بعنوان «كأن شيئا لم يكن»، وأنا أتفق معه تماما في التأسي على ما آلت إليه الأمور في البلد، ولم أجد وصفا لإسهامي بعرض تردي أوضاع الوطن أفضل من استعارة شطر من بيت لأبي نواس:
«حف.ظْتَ شَيئا.. وغابَتْ عنك أشياءُ».. لأقول بعد التعديل «أدركت شيئا وغابت عنك أشياء يا عبداللطيف»، وإليك ما أعنيه بذلك:
1 – فالحريات العامة تعاني مضايقة، بل ومطاردة غير مبررة، فقد أضحت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي وجمعيات النفع العام وحتى الآراء التي تبدى بالمحاضرات والندوات موضعا للمراقبة غير المفهومة، وظهرت علينا موجة إحالات للنيابة بشكل مزعج، بل وشكاوى، طرفها ليس السلطة التنفيذية فقط، بل التشريعية أيضا، حتى خشي من أن يزج بالقضاء في التجاذب السياسي، وهو ما استشعره الناس بعد تزايد أحكام بالحبس في إطار قضايا تتداخل معها حرية الرأي والحريّة السياسية، والتي عبرت عنها ديباجة الدستور بـ«البحبوحة السياسية»، وبدلا من أن تأتي الاتجاهات جهة توسيع الحريات والتصدي للسلطة، فقد غلب عليه الاتجاه الآخر، ونأمل أن يُبادر الى تصحيح ذلك.
2 – صار لدينا أعداد متزايدة من الأعضاء الذين يتاجرون بكرسي العضوية، ويتكسبون من ورائه بممارسات منحرفة لأدوات التشريع أحيانا، وبأدوات الرقابة السياسية في أحيان اكثر، وقد غاب مشروع الإصلاح الوطني، ولم يعد هناك منافسة بين النواب «لقضايا وطنية»، وأظن أن الصوت الواحد لم يهدد الوحدة الوطنية فقط، بل حتى المشروع النيابي الوطني، وما أحوجنا الى مبادرة كريمة تعيد الأمور الى نصابها.
3 – ظهر علينا توجه التجريم الإلكتروني، والذي سيدفع بجهة تنفيذية جديدة هي وزارة الداخلية إلى جوار وزارة الإعلام لتقتحم ميدان حرية الرأي، وهي جهة غير مرغوب بها في هذا الميدان.
4 – ان منظومة القيم الاخلاقية والاجتماعية والسياسية في انحدار رهيب، فلم يعد احترام الأشخاص وآرائهم وتقدير مكانتهم متحققا، بل إن قيم الأسرة وتماسكها ودورها في شد أزر البناء الاجتماعي تراجع، فقد تجرأ الأبناء بسبب مكافآت الطلاب المالية العالية، وصار الحصول الصوري مبالغ دعم العمالة ليست نموذجا للفساد السياسي، بل والاجتماعي أيضا. أما في السياسة فقد غلبت على أحوال البلد بشأنها مفاهيم الابتزاز والتنفيع والعمل السياسي المأجور والارتجال في كل المشاريع، بل لقد زاد إسناد الأمر لغير أهله، وبرزت ظاهرة تقلد بعض ابناء الأسرة للمناصب القيادية أحيانا، ربما بصرف النظر عن مدى كفاءتهم، وفي المضمار السياسي صار الناس يدركون أن فسادا ينخر البلد، لكن الكل حيران أو متفرج أو متسائل: من يملك زمام المبادرة؟ ويبدو أنه عجز في حق السلطات كافة.
5 – أما المواطنة، فإنها صارت مرهونة بالتكسب منها، فالاقامات زاد تجارها، والتوظيف الوهمي زاد سماسرته، والعلاج السياحي صار له ممثلون في بيت الأمة، وحملة الشهادات المشكوك فيها صار لهم مناصب مهمة، والتسيب الوظيفي ضرب أطنابه، ولم تعد المواطنة غيرة لحفظ الوطن بقدر ما يمكن أن يجنى من ورائها.. وحسافة على الكويت يا عبد اللطيف.