لا اعلم ولا اجد سببا واضحا لتحفظ البعض من المهتمين بالوضع العام على قانون مكافحة جرائم المعلومات الالكترونية. لكني اعلم مسبقا ان لدينا عداء للحريات، ورغبة اصيلة في القمع والتشدد، مما يجعل من تحفظهم وقلقهم امرا مفهوما ومشروعا.
خصوصا ان القانون المقترح بسبب عنفوان الكبت والاضطهاد المهيمن على من اعده، لم يفرق على الاطلاق بين «اقتحام» الصفحات او الآلات الالكترونية بهدف التكسب او ارتكاب جريمة، وبين الاقتحام الذي تحركه الرغبة الصرفة في الاستكشاف وتحدي وتخطي الحواجز، وهو ما يمارسه اغلب «الهاكرز» وهواة معالجة الاجهزة والمعلومات.
في الطبيعة هناك بكتيريا ضارة، وهناك ايضا بكتيريا نافعة. تماما هو الحال في الانترنت وفي المجال الرقمي.. لدينا «هاكرز» انقياء واتقياء، ولدينا هاكرز مجرمون يحاولون تحقيق الارباح، واحيانا التلذذ بمجرد اي ايذاء للغير.
قانون الجرائم الالكترونية المقترح يعاقب الاثنين، البكتيريا الضارة والبكتيريا النافعة. او حسني النية وسيئي النية من الهاكرز. وذلك بالطبع بسبب العداء الاصلي لدى اغلبنا للحريات وللاستكشاف وللعلم.
وجود البكتيريا النافعة ضرورة لاستمرار الحياة. والحال كذلك بلا ادنى اختلاف مع المجال الالكتروني. فوجود الافذاذ والعباقرة من مقتحمي المواقع والبرامج من حسني النية ضرورة «امنية». نعم ضرورة امنية صدّق من اعد القانون القمعي ام لم يصدق. فهؤلاء تعتمد اصلا عليهم شركات تقنية المعلومات، بل وتتوسط لديهم لمحاولة اقتحام برامجها وانظمة الحماية لديها. وما لم يعلن هؤلاء «الهاكرز» او البكتيريا النافعة سلامة ومتانة الحماية في هذه الانظمة والمواقع والبرامج، فإنها لا تطرح للتداول ولا تمنح الثقة والبدء في دخول المجال العملي. قانون الجرائم الالكترونية المقترح يجعل من امكانية «اختبار» انظمة الحماية والمواقع والاجهزة الالكترونية امرا صعبا، ان لم يكن مستحيلا، لانه ببساطة يجرم اي محاولة لـ«الاختراق»، بغض النظر عن حسن او سوء النية. ولنذكر السادة واضعي مشروع القانون ومن سيقره، بأنه ليس في استطاعة من وضع انظمة الحماية ان يختبر قوتها، لانه يعلم السر او لا، ولانه لا يمتلك لا عبقرية الاقتحام او «الهاكنغ» التي يتمتع بها هواة الاختراق، ولا الوقت الكافي لتحقيق ذلك.
اي ببساطة ان اقتحام المواقع او السيطرة على الاجهزة لا يشكل جريمة، ما لم يكن بهدف الايذاء او الاستكساب، وما لم ينتج عنه إضرار بالابرياء او منفعة مادية للاشقياء.. عدا هذا هو عمل «خيري» تطوعي مثل عمل «البكتيريا» يفيد ولا يضر.