فعلا اصبح من المألوف، وربما المتفق عليه، ان تتم ادانة خلق الله على «الريحة». واخذَ المواطن الكويتي يتقبل، او على الاقل يعتقد المرجفون ومعدومو الحيلة، انه اصبح يتقبل اي اتهام، ويصطف بلا وعي، خلف اي دعوى مختلقة او واهمة لحماية المال العام. ما كان لدينا من موروث ديني واجتماعي يحمي الناس ويصون كرامات وحقوق الافراد، وما خلفه لنا الآباء المؤسسون من حماية دستورية للمواطنين الابرياء تبخر هذا بكل اسف بقليل من الزعيق والضجيج من دعاوى حماية المال العام، والحرص المزعوم على المصلحة الوطنية.
لهذا مرت خطيئة قناة مجلس الامة، كما هي رومانسيات البعض العابرة، «كأن شيئاً لم يكن» من دون ردة فعل حازمة، او حتى بيانات استنكار تعودنا ان يتسابق البعض لاصدارها حول ما يسوى وما لا يسوى من حوادث وظواهر. لم يهتز البلد كما هو مفروض، ولم يتظاهر الناس كما يجب، ولم يعترض حتى الساسة ومن تعودنا ان يطلوا علينا بكل مناسبة كما هو متوقع.
مخجل هو الوضع، بل هو مزعج ومقلق. فقد نجحت بعض القوى الاجتماعية والسياسية في فرض تخلفها وذهنيتها غير المتلائمة والعصر على المجتمع. وخلقت «ثقافة» ووعيا تميزا بمعاداة الدستور وانتهاك القوانين، والتطاول على المبادئ الديموقراطية. اقنعونا بان «حماية المال العام» هي الهدف، وهي الحياة او الموت في الكويت. وان كل شيء يرخص، وقد استرخص، في سبيل حماية هذا المال العام.
ولم تكن هنا المأساة فقط، بل المأساة تجلت في اهمال الحقوق السياسية والاجتماعية للمواطنين، مقابل هذا التركيز الاستعراضي على حماية المال العام. وتم هذا ولا يزال يتم، مع ان السارق الاساسي للمال العام هو «المواطن»، الذي تم تجنيده. فهذا المواطن او «الناطور» هو المسؤول الحقيقي عن الهدر والتبذير الذي يتعرض له المال العام.
ربما تحت وبفعل هذه القيم البالية تم غض النظر المفاجئ عن خطيئة قناة المجلس. فالذين جلدتهم وادانتهم القناة، وباركت الاجراءات المؤسفة التي تعرضوا لها، هم «متهمون»، او بشكل ادق كانوا متهمين بسرقة المال العام. لهذا لم يعترض احد، فهم «يستاهلون»، ولهذا لم ينتصر لهم احد خوفا من تهمة سرقة المال العام او مساعدة سراقه.