أن يتردى العمل البرلماني ببعض سلوكيات أعضائه اللامسؤولة أمر متوقع في أحوال نادرة وشاذة، أما أن يصبح بعض أعضاء مجلس الأمة عنوانا وسمة للفوضى والتصرفات والأعمال اللامسؤولة داخل مجلس الأمة الكويتي، فهذا ما لا نقبله كشعب كويتي متحضر، يهمنا أن تنقى تجربتنا الديموقراطية والبرلمانية من أي ممارسات شاذة أو دخيلة ليست على تجربتنا البرلمانية فحسب، بل على مجتمعنا وأخلاقياته وتسامحه، وهو ما لا ينبغي أن نسكت عنه حتى لو حاول أعضاء المجلس التستر على تصرفات زملائهم المستهجنة والمرفوضة.
أقول ذلك بعد الفوضى وتكرار التصرفات الخارجة عن النظام والقانون، الذي تكرر أكثر من مرة من نواب بعينهم، فقد تكررت شتائمهم وألفاظهم المرفوضة داخل مجلس الأمة، بل ان قيامهم بضرب احد زملائهم بـ«العقال»، في جلسة يوم الثلاثاء 2 ــ 6 ــ 2015، هي جريمة يعاقب عليها القانون، ولا تتمتع بأي حصانة نيابية، مما نصت عليه المادة 110 من الدستور، مما يجعله محلا للمساءلة الجنائية الكاملة إذا قدمت شكوى ضده.
والأهم هنا، هو قيام مجلس الأمة نفسه باتخاذ إجراء تأديبي في مواجهته، مما نصت عليه اللائحة الداخلية للمجلس، وأقلها منعه من المشاركة في جلسات المجلس لمدة أسبوعين، وأفضلها في رأيي هو إسقاط عضويته، بعد تكراره لهذه التصرفات حتى يكون عبرة لغيره من النواب، وحتى يدرك هو وغيره أن العضوية البرلمانية لا تضعه فوق القانون وبعيدا عن المحاسبة، وهو الاعتقاد الذي يبدو أنه مهيمن على تفكيره، وهو التفسير الوحيد لتكراره للأفعال والأقوال التي تخرج عن القانون والنظام، بل وجنوح البعض المستمر الى استفزاز زملائه والناخبين بطروحات تفوح منها رائحة الفئوية، والعزف على وتر الطائفية، وبث الكراهية في المجتمع. وحسناً فعل المجلس بإحالة النائبين للتحقيق، وأتمنى عدم التساهل مع البادئ.
وقد شهد العمل البرلماني في الكويت ترديا متتابعا في الممارسات البرلمانية والتزامه حدود اللياقة وحسن التعامل وفقا للأعراف والتقاليد، بل واللائحة، وإذا كان تهاون المجلس في السنوات السابقة سببا لتفاقم هذه الظاهرة وبروزها بأفعال مشينة أسوأ، فإن المجلس مطالب اليوم بأن تكون له وقفة حاسمة وجادة لوقف هذا التردي، بعد أن حوله البعض الى ممارسات متكررة من دون أن يبالي، وكأنه يتمادى بتحدي القانون والنظام، وسكوت الأعضاء عن هذه الممارسات اللامسؤولة، يثير الاستغراب والتساؤل؟ بل أن المجلس مطالب بأن يتصدى للأسئلة البرلمانية المنحرفة التي غايتها التكسب الشخصي ماليا أو انتخابيا أو استمالة قبيلة أو فئة أو طائفة، كما هو مطالب بأن يتصدى للانحراف في استخدام الأدوات البرلمانية الأخرى، مثل الاستجواب ولجان التحقيق البرلماني، التي أدت الى تدهور العمل البرلماني الكويتي وانزلاقه الى ميادين المصالح الشخصية والابتزاز السياسي، والبعيدة عن المصلحة الوطنية.