لعلني محظوظ جدا لأنني عاصرت زمنا جميلا من تاريخ الكويت أثناء دراستي بمدرسة ابن سينا الابتدائية في منطقة الدعية، لم أكن محظوظا بالمحصول العلمي الذي نهلته فحسب، بل للتكوين الاجتماعي الكويتي «الحقيقي» الذي شمل جميع الاطياف آنذاك، لما تملكه منطقة الدعية من خصوصية فريدة جمعت مساجد السنة وحسينيات الشيعة وسط عوائل كويتية تربطهم لحمة وطنية رائعة: طيب.. هل كنت أعرف معنى «سني» أو «شيعي» اصلا؟ تالله إنني لم أكن أسمع هاتين الكلمتين أبدا! على الرغم من أن مدرستنا كانت تعج بالطائفتين اللتين تميل بعض عوائلهما الى التشدد والتطرف في معتقداتهما الدينية.. اذاً ما الذي حدث الآن؟ لماذا أدمن شباب هذا الجيل أخبار «ملالي ايران» ومجاهدي «داعش»؟
فلو اجرينا ايها السادة الكرام عملية مسح سريعة على موقع «اليوتيوب» لوجدنا ان اكثر الفيديوهات العربية رواجا هي خطب «دخلاء الدين» من الطائفتين بوجوههم الحمراء وصوتهم الحانق: فتن عظيمة، ألفاظ نابية، تأليب طائفة على أخرى، وحقد لا حدود له، وقصص مخترعة لا معقولة! انهم عشرات الملايين من العرب يلهمون هذا العلم الكاذب، في حين معظمهم لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن صحة هذه المعلومة أو دقتها، لم يكلف نفسه السؤال عن تاريخ هذا الشيخ أو الإمام وتاريخه، أو صحة الحديث الذي استدل به، أو أصل الحكاية التي ذكرها.. يكفيه فقط ان اللحية قد ملأت وجه الخطيب، وان لسانه قد لهج باسم الرحمن! «قطها براس عالم واطلع سالم»، تلك نكتة قبيحة صنعت آلاف الانتحاريين والارهابيين، تلك نكتة قبيحة صنعت مفجري مسجد العنود بالسعودية، ورفعت حالات التأهب الأمني في الكويت.. تلك نكتةٌ قبيحة، بل بدعة جديدة يجب تُذبح لأبد الآبدين، فكيف؟
ايها السيدات والسادة.. ان المفارقة الخطيرة التي يجب ان يدركها العقل العربي بشكل عام والكويتي بشكل خاص: ان الخلاف السياسي لا يرتبط اطلاقا بالمعتقد الديني، أي أن ايران ليست كل «الشيعة»، و«داعش» لا يمثل السنة.. طموحات تلك التنظيمات والميليشيات السياسية لا تمثل سوى أعضائها ومنتميها..
لقد استطاعت تلك التنظيمات الارهابية خلق أيقونات دينية عصرية ومدربة، عرفت كيف تبث سموم الفتن في العقل العربي عبر وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب وغيرها: كيف ذلك؟ لقد فرغوا ديننا من محتواه السامي والعظيم! ومن ثم ابتدعوا أساطير وخرافات وشكوك زرعوها باسم الدين في قلب كل طائفة حتى أدموها.. ورحلة التغيير والانتفاضة أيها السيدات والسادة لن تبدأ الا بمصارحة النفس والإدراك بأننا تعرضنا حقا للكذب والخديعة مرارا.. رحلة التغيير تبدأ حقا عندما نؤمن ان ليس كل شيخ شيخا، وليس كل امام اماما.. رحلة التغيير تبدأ حقا عندما نعيد النظر في ديننا العظيم، ونترك للعقل فسحته ليتدبر في القرآن الكريم والسيرة النبوية الصحيحة.. رحلة التغيير تبدأ عندما نتذكر ان ديننا الاسلامي هو من حرر قريش والجزيرة العربية من العبودية والاستعباد، وهو ذات الدين العظيم الذي سيرفض استعباد «أشباه رجال الدين» لعقولنا وعقول ابنائنا..
آخر مقالات الكاتب:
- كيف باعوا «شبابنا بالسجون».. برخص التراب؟!
- عبد الرحمن السميط.. المسلم الحقيقي!
- أبوي.. جاسم الخرافي
- عبيد الوسمي.. الذي احترمته أكثر!
- مَنْ «صَنَعَ».. عبدالحميد دشتي؟!
- لماذا اجتاح «الإلحاد».. الكويت؟!
- مسلم البراك..«يبي يسجني؟!»
- الشيخ سعد العبدالله.. لم يمت!
- الإلحاد.. وناصر القصبي!
- لماذا سنقيم «فرانچايز اكسبو».. في دبي؟!