الحراك السياسي وباختصار شديد جدا ـ هو الانتقال والتحرك من موقف سياسي إلى آخر، ومن رؤية سياسية إلى رؤية سياسية أخرى اكثر تقدمية، انه في الحقيقة عملية سياسية يتم فيها تحقيق المطالب تدريجيا وباتجاه المزيد من المشاركة الشعبية في السلطة من اجل الإصلاح السياسي.
ويعتمد نجاح الحراك السياسي وبشكل أساسي على قدرته في تحفيز المجتمع ليتفاعل مع تلك القضايا السياسية التي يطرحها وصولا الى اتخاذ مواقف مجتمعية إيجابية نحوها.
ووفقا للمفهوم السابق للحراك السياسي ـ نجد أن المعارضة الكويتية مارست في حراكها عملية الانتقال من موقف سياسي إلى آخر في اتجاه تصاعدي وإصلاحي مشروع، فانطلقت من حق ممارسة البرلمان للرقابة واستجواب الوزراء إلى مرحلة أخرى أكثر تقدمية وهي ممارسة استجواب الوزراء الشيوخ «حيث كان محظورا»، بل وصلت المعارضة في عملية تطوير ممارساتها السياسية إلى حد مباشرة حقها في استجواب رئيس الوزراء.
أما بالنسبة لاختلاف الرؤية السياسية للحراك الكويتي وتطورها، فكان انطلاقته من المطالبة بالتمسك بالحقوق الدستورية والمحافظة على المكتسبات الشعبية، حيث كان شعاره في تلك المرحلة هو «إلا الدستور».
ثم انتقل الحراك من الرؤية السياسية السابقة وهي «إلا الدستور» إلا رؤية سياسية أكثر تطورا، وهي المناداة في ضرورة إقرار تعديلات دستورية تواكب تطور مطالب الحراك الجديدة كمطلب الحكومة المنتخبة وإشهار الاحزاب السياسية، فلقد أيقن الحراكيون أن هذه المطالب السياسية الجديدة بحاجة الى تشريعات جديدة لا يغطيها «الدستور» الحالي، ولذلك شرعت المعارضة او الحراك السياسي في المطالبة بكل ما سبق دفعة واحدة وبفترة وجيزة جدا، وبالطبع ولّد هذا التغير السريع والمفاجئ للحراك ومطالبه ردات فعل معاكسة من الحكومة وبعض قطاعات المجتمع.
ربما كان من الطبيعي ـ وسط أمواج الحراك السياسي المعارض ان ينشأ حراك مضاد له، ينطلق من رؤية سياسية ودستورية مختلفة تماما وربما تصادمية مع الحراك المعارض، يهدف هذا الحراك الموالي للحكومة ان صح التعبير إلى محاولة تعطيل مشروع حراك المعارضة وعرقلته، ويعتمد في عملية مواجهة خصومه على الدستور والصلاحية التي تملكها الحكومة بشكل عام.
مما لا شك فيه ـ ان صراع الأضداد من المسلّمات في السياسة وربما يسهم في تطوير الحياة السياسية، وفي الحالة الكويتية كان هذا الصراع الفكري مبررا ومستساغا أحيانا والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة، ولكن في الأعوام الأخيرة وتحديدا منذ انطلاق ما يسمى بثورات الربيع العربي وما صاحبتها من انعكاسات خطيرة على كل المجتمعات العربية بما فيها المجتمع الكويتي، فقد أعطت تلك الثورات للحراك السياسي في الكويت زخما وقوة غير مسبوقة، أدت وكما ذكرت سابقا إلى تسارع المطالب السياسية وتعددها وبفترة وجيزة جدا، كما كاد تبنّي الحراكيين لخطاب سياسي جريء جدا وعنيف في أحيانا كثيرة، أن يوقعهم في المحظور القانوني وفي فخ الحكومة، بالطبع هذا لا يعني أن الآخرين لا يخطئون.
يبدو أن المشكلة ليست في مطالب الحراك المشروعة في حد ذاتها ولكن في طريقة التعبير عنها، واقصد كلا التعبيرين الكلامي والفعلي.
من حيث التعبير الكلامي، كانت أغلب خطابات المعارضة تخلو من المفردات التي من الممكن أن يعاقب عليها القانون، ولكن طريقة وأسلوب طرحها هو الذي أوقعهم بإشكاليات قانونية جسيمة أدت إلى صدور أحكام بالسجن على بعضهم.
أما من حيث التعبير الفعلي واقصد سلوك الحراك، فبالرغم من ان حق التجمع مسموح فيه وفق الدستور إلا أن حق التظاهر مختلف حوله قانونيا، والخلط بين هذين الحقين أوقع الحراك الكويتي في مواجهة القانون وقوات الأمن، والنتيجة ان أفسدت المظاهرات الحق في التجمع.
ختاما: الحراك هو عملية تغيير سياسي تدريجي وبطيء ولكنه آمن، بعكس الثورات التي تحدث تغيرات عميقة وسريعة وبصورة مفاجئة وغير مأمونة العواقب، كما لابد ان يمر الحراك السياسي بمراحل تطوره لينضج ويكتمل مشروعه الإصلاحي، وليس من الحكمة عملية حرق تلك المراحل.
الحراك السياسي في الكويت بدأ من عشرينيات القرن الماضي، واستمر بطيئا ورغم العثرات التي واجهته الى انه نجح تدريجيا في إقرار إصلاحات سياسية كبيرة منها الدستور الحالي.
خلاصة: تسرع الحراك الكويتي في تحقيق أهدافه المشروعة، أفسد مشروعه الاصلاحي وأعطى خصومه المبرر لإنهائه أو تجميده الى إشعار آخر.