لم يرتح الكثيرون لتكرار قولي إننا شعب متخلف، علماً بأن ليس في ذلك ما يعيب، فالتخلف «إعاقة» يمكن التغلب عليها. وليس هناك ما هو أكثر دلالة على تخلفنا من الوضع الصحي اللاإنساني، وحتى النفسي، لعاصمتنا! فبالإضافة إلى كونها العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يسكنها أهلها، فإنها أيضاً العاصمة الأكثر فقراً في أشياء كثيرة، كالمسارح ودور السينما وغيرها. كما أنها تفتقد بشكل مخجل لأماكن قضاء الحاجة، ولا يعرف معنى «قضاء الحاجة إلا من كابدها!».
كيف يمكن أن تصبح عاصمة دولة يبلغ دخلها السنوي أكثر من 50 مليار دولار بكل هذا البؤس الصحي والخدماتي؟ وكيف سمح ثلاثون أو أربعون وزير بلدية وصحة لأنفسهم بإبقاء هذا الوضع المقرف والمخجل على ما هو عليه على مدى أربعة عقود على الأقل؟!
المؤسف في الأمر أن جهات عدة أبدت استعدادها لوضع حمامات عصرية على حسابها مقابل استخدام أحد جدرانها مثلاً كلوحة إعلانات. كما أن هناك جمعيات تعاونية على استعداد للصرف على مشروع الحمامات في العاصمة، ولكن الحكومة، أو مسؤولي البلدية بالذات رفضوا الفكرة.
ألا يدل ذلك على أن جميع هؤلاء المسؤولين إما لا يعرفون شيئاً عن عاصمة بلادهم، أو أنهم لم يهتموا بزيارتها وتفقد معالمها، أو، وهو الاحتمال الأقوى، لم يهتموا أصلاً بأمور «قضاء الحاجة». كما يشكو الكثيرون من وضع حمامات المطار، حيث إنها تفتقد كل شيء، وليست أفضل من حمام مطعم شعبي. والآن هل لا يزال هناك من يختلف معي على أننا دولة متخلفة.
تقول تاهمين أنام، عن «دكا»، عاصمة بلادها، بنغلادش، التي يقطنها 15 مليوناً، إنه وحتى قبل بضعة أسابيع، لم يكن في دكا إلا 67 حماماً، يعمل منها بصورة مقبولة خمسة. وبالتالي، كان قضاء الحاجة على «الملأ» أمراً شائعاً، ولا يزال، بعد أن فشلت كل محاولات أصحاب العقارات والحكومة في التحذير من التغوط أو «قضاء الحاجة» تحت لوحات التحذير. كما فشلت سياسة فرض غرامات على من يسيء استخدام الطرقات العامة لقضاء حاجته، وأن وزارة الشؤون الإسلامية تدخلت لحل المشكلة، حيث قامت بإزالة تحذيرات منع التغوط المكتوبة باللغة البنغالية وإعادة كتابتها بالأحرف العربية، انطلاقاً من حقيقة أن البنغال يعتبرون اللغة العربية، أو أشكال حروفها، مقدسة، وبالتالي توقفوا عن قضاء الحاجة أمامها.
سكان «دكا» حلوا جزءاً من مشكلتهم، ولكن ماذا عنا؟ وهل نأمل في حملة وطنية تشارك بها جمعيات «النفع العام» النشطة، لإنشاء حمامات في عاصمة وطننا وفي المنافذ البحرية والبرية والجوية، أم نستمر في الغناء: «والله يا كويت ما في مثلج»؟!