تجسّدت حالة فرح غامر، لا يمكن وصفها، لعبدالله البرغش حين علم أن المحكمة الإدارية ألغت قرار السلطة الجائر بسحب الجنسية عنه وعمن معه بطريق التبعية، فسجد بتلقائية وعفوية على أرض المحكمة يشكر الله، ملتصقاً بأرض ضربت جذوره أعماقها.
يمكن أن نتصور حالة نفسية مشابهة كتلك التي اجتاحت عبدالله غمرت أيضاً أكثر من خمسين فرداً ما بين رجال ونساء وأطفال هم أقرباء عبدالله، والذين اكتسبوا الجنسية بطريق التبعية وسُحِبت منهم فجأة أيضاً بطريق التبعية الظالمة، بغير ذنب، ودون سبب غير رغبة السلطة في عقاب عبدالله البرغش، ومد سلطان العقوبة إلى كل أهله، مما يعد أخطر انتهاك لمبدأ شخصية العقوبة.
حكم المحكمة الإدارية الابتدائي، الذي قامت الحكومة باستئنافه فور صدوره، أشعل نور الأمل في قلوب المظلومين، الذين سُحِبت جنسياتهم بحجة “الغش والتزوير”، كما تقول وتبرر السلطة قرارها السابق الذي لم تُقِم الدليل عليه، أو أُسقِطت عنهم لاعتبارات الأمن والمصلحة العليا للدولة، وغير ذلك من عبارات جوفاء توسلت بها السلطة لسحب الجناسي عن عدد من المواطنين لأسباب سياسية خالصة، وغطّت واقعة السحب والإسقاط بعبارات قانونية لتستر عورات الاستبداد وتفرد السلطة بشؤون العباد.
قرأت الحكم العادل للمحكمة الإدارية، ولم أجد سنداً واحداً للحكومة في ردها على دعوى عائلة البرغش غير كلمتي “أعمال السيادة”، اللتين وردتا في قانون إنشاء المحكمة الإدارية عام 81.
ورغم أن فكرة “أعمال السيادة” بالصورة التي جاءت بها هي “سواد وجه” للشرعية الدستورية، ووصمة مخجلة بجبين القانون، فإنه حتى بتلك الصورة العوجاء الشاذة عن حكم العدل لا يمكن إعمالها، ليس فقط لسبب أن حق الجنسية للكويتي بالتأسيس، كما قالت المحكمة هو حق “مستمد مباشرة” من واقعة الميلاد لأب كويتي، ولا يتم هذا الحق بطريق المنح بقرار من الجهة الإدارية، وبالتالي لا يمكن تصور “أعمال السيادة” هنا، بل لأن فكرة أعمال السيادة تقوم على سلطة الاستثناء لجهة الحكم، بمعنى أنه يمكنها أن تستثني من نطاق القانون في حالات محددة مثل إعلان حالة الطوارئ في الدولة، كما نعرف من أبجديات القانون في دولنا البعيدة عن حكم القانون.
وحتى حالة الاستثناء تلك يجب أن تتم بالقانون، وأن تقام المعايير الفاصلة بين “سلطة الحكم وسلطة الإدارة”، ولا تخلط الأمور لصالح السلطة التنفيذية، فيسبغ ثوب الحماية بعنوان أعمال السيادة على جل أعمال السلطة التنفيذية على حساب بقية السلطات وحقوق الأفراد وحرياتهم.
لا يمكن قبول سحب جناسي المواطنين أو مصادرة حرياتهم وإبعادهم، مثلما حدث لسعد العجمي، أو حجزهم بحجة “السيادة والأمن”، وإذا كانت الأمور تتم بتلك الصورة المهينة فما حاجتنا، إذن، لدستور وقوانين ومؤسسات وإدارات؟! ما حاجتنا إلى كل ذلك طالما أن “سلاح السيادة” موجود في جيب السلطة تحركه حسب رغباتها، لننتهي بيقين أن فكرة السيادة هنا لا تعني سوى مزاج صاحبة السيادة…
يبقى في النهاية الأمل، أن لحظات الفرح والبهجة التي تحيا بها عائلة البرغش اليوم تمتد إلى حكم نهائي يثبت عودة الحق لأصحابه كي تستقر نفوسهم، وتفتح بصيصاً من النور لآخرين سُحبت وأُسقِطت جنسياتهم تحت بند “مزاج صاحبة السيادة”…