الشاعر يقول: “من نظرة الرجّال تعرف خوافيه”، وأنا أقول: “من المسلسلات تكشف خوافي البلد ومستواه”. ففي تركيا تجد، مثلاً، مسلسل “حريم السلطان”، الذي كسّر الدنيا وفتتها، وجذب الملايين من الدولارات، عبر السوّاح الذين تزاحموا على مدخل “توب كابي”، أو الباب العالي، ومسجد السليمانية، حيث يرقد رفات السلطان سليمان القانوني وحرمه السلطانة روكسلانا، أو “هورّم” كما جاء اسمها في المسلسل الشهير… ليشاهدوا مواقع الأحداث على طبيعتها.
وعندما أقول عن هذا المسلسل العظيم “كسّر الدنيا وفتتها”، فأنا لا أبالغ، رغم اختلاف أحداثه، في بعض التفاصيل، عما قرأت، لكنه يستحق أكثر من كلمة “عظيم”، فقد أبهر المخالفين قبل المؤيدين. ومن أبرز مخالفيه، أو مخالفي مضمونه، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومعه ملايين من البشر، يرون أن المسلسل شوّه صورة السلطان الخالد سليمان القانوني، وأظهره بصورة الرجل الذي تقوده امرأته، أو “سكّانه مرته”، كما في اللهجة، وأظهر السلطانة روكسلانا بمظهر “النسرة”، في حين أن تاريخ السلطان سليمان، وقوة شخصيته، يكشفان تهافت هذه الكذبة الكبرى، كما يقول أردوغان وبقية المعترضين على “تشويه التاريخ”. كذلك أعمال السلطانة روكسلانا الخيرية، تكشف حقيقة معدنها الطيب، لا المتآمر، كما في المسلسل.
وفي المقابل، ترى ملايين أخرى من الأتراك أن المسلسل جاء بصورة أفضل مما في الخيال، وأنه يجب تكريم القائمين عليه، الذين أنهكوا صحتهم، وتركوا أسرهم، ليتفرغوا لمثل هذا العمل الضخم، الذي رفع أسهم الفن التركي، وأعاد الأحداث التاريخية إلى الذاكرة، بطريقة احترافية فائقة.
ما علينا… المهم أن المسلسل هذا، وبقية المسلسلات التركية التي “احتلت” الشاشات العربية والأجنبية، كشفت عن مستوى التطور والحرية والتنافسية، التي حظيت بها تركيا في سنواتها الأخيرة، في حين “هَوَت” المسلسلات الكويتية، لتسقط من قمة “درب الزلق” و”الأقدار” و”خالتي قماشة”، إلى الحضيض عبر مسلسل “الإمبراطورة” وما شابهه من مسلسلات “مريضة”. حيث الركاكة، والانحطاط، وسوء الإخراج، وبشاعة التمثيل، و”الاسترخاص”، والترهيم، والخرطي المركز…
لذا، وباختصار أقول: هذه هي تركيا في السنوات الأخيرة، وهذه هي الكويت… من فنّك نعرف خوافيك.