مرة أخرى يضرب المتطرفون خاصرة سهلة، المسجد. ففي يوم الجمعة الماضي في الدمام وقف الشاب عبدالجليل الأربش، متيقظاً لمنع احتمال تسلل إرهابي لتفجير المسجد عند الصلاة. جاء الإرهابي مندساً تحت عباءة نسائية، وعندما شك فيه عبدالجليل فر الإرهابي وتبعه عبدالجليل وأمسك به ومن ورائه أخوه محمد ومحمد العيسى، فانفجرت بهم والإرهابي القنبلة بحزامها الناسف.
ليس هناك جديد في التفجير الإرهابي العشوائي، الذي يستهدف أناساً أبرياء، الهادف إلى تصفية دينية أو عرقية أو غير ذلك. لكن المهم هو قدرة أفراد عاديين امتلكوا من الشجاعة ما يكفي للتضحية بأنفسهم لمنع مأساة وسقوط ضحايا أكبر. الشهداء الذين تصدوا بأجسادهم العارية للتفجير سيتذكرهم كثيرون بأنهم اختاروا الموت لكي يحيا غيرهم فعلاً لا قولاً.
لسنا هنا نبحث عن مذهب، شيعة أم سنة، لكن عن فعل يؤصل عقيدة البقاء والسلام، وفعل يؤصل منطق الفناء المطلق.
جسد يحمي وجسد يقتل. التقى الجسدان المتوثبان، جاء أحدهما من مكان قصي مستخدماً جسده لقتل آخرين، لا يعرفهم، ولا يعرف عنهم إلا أنهم يستحقون القتل، وجسد آخر وقف ليحمي آخرين ويموت بعدها، أو فلنقل ليحيا بعدها. ففعل الحياة وفعل الموت متلازمان.
التطرف المستشري في محيطنا هو مؤشر لسلوك الأمم المهزومة المحبطة التي تبحث عن خلاص بقتل الأقرب، دون حساب للربح والخسارة، هي مسؤولية حكومية كما أنها مسؤولية شعبية.
محزن أن نسمع عمن يفرح ويؤيد فعلة نكراء كهذه، لكننا في زمن التردي والانحدار والضياع، وربما كانت أجساد الأربش، التي توزن بماء الذهب، بل أعلى من ذلك بكثير، هي التي طرحت النموذج والفكرة المتجذرة للجميع من أي مذهب وأي ملة.
جسدان إذاً دون توقف، أحدهما للموت وآخر للحياة، ولكم الخيار.