تعد دول الخليج العربي آخر قارب نجاة عربي يمكن عن طريقه إخراج ما تبقى من العرب بعد تحطم غرق سفينة العربية في محيط الثورات.
شاهدنا في الأمس القريب أعمق أزمة سياسية مرت بها العلاقات الخليجية – الخليجية، والتي شكلت تهديدا وجوديا لمنظومة مجلس التعاون الخليجي أقوى تحالف إقليمي عربي على الإطلاق.
الكل يعرف أن أصل المشكلة يعود إلى اختلاف وجهات النظر لبعض دول الخليج حول العديد من القضايا العربية المهمة كثورات الربيع العربي والإخوان والقضية الفلسطينية، تحول هذا الاختلاف في وجهات النظر إلى خلاف سياسي، لم يستفد منه الخليجيون وكاد يستفيد منه أعداؤهم.
أولى تلك القضايا هي الثورات وعلى رأسها الثورة المصرية، حيث كانت قطر تدعم الثورة المصرية منذ بدايتها وتتمسك بحكم الرئيس المعزول مرسي، أما السعودية والإمارات، فعلى النقيض منها تماما – الكل سعى إلى ما يعتقد أنه صواب وفي النهاية استقر الوضع في مصر ولم يعد بإمكان الخليجيين تغيير الواقع ولو أرادوا.
القضية الثانية هي الإخوان – بالرغم من أنهم حزب سياسي كغيرهم من الأحزاب، حاولوا الوصول للسلطة – ووصلوا لها ولكنهم فقدوها سريعا، وبغض النظر لماذا وصلوا إليها ولماذا فقدوها؟ يجب ألا يكون الدعم بهذا الحجم ولا العداء بهذا الحد – فهم الآن خارج مواقع التأثير في الكثير من الدول العربية، وليس من المنطق جعلهم موضوعا خلافيا.
أما القضية الثالثة والأكثر تعقيدا وربما ستكون القضية الأكثر استمرارا في قضايا الاختلاف الخليجي والعربي أيضا – فهي القضية الفلسطينية.
لا شك أن حماس تمثل مقاومة عربية في وجه الصهاينة المحتلين، ولكنهم يحملون جينات الإخوان السياسية المرفوضة في كثير من الدول، ومن جهة حماس لا تنسق سياستها مع أقطاب السياسية العربية مصر والسعودية، ومن جهة أخرى حماس قريبة جدا من العدو الرئيسي للمنطقة وهي إيران.
حتما سيتجدد النزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل وستكون مواقف حماس موضوعا للاختلاف الخليجي مرة أخرى إلا إذا سعت الأطراف الخليجية إلى عمل مصالحة فلسطينية توحد الفلسطينيين ومن خلفهم الخليجيون والعرب، وهذا هو المرتقب.
في الختام – كان لدول الخليج أدوار مختلفة في المشهد العربي، والكل حاول المساعدة بطريقة مختلفة وربما متناقضة، بحسب ما يراه صوابا من وجهة نظره ومصلحة – وبغض النظر هل نجحت تلك الأدوار أو فشلت فالمؤكد أنها انتهت تقريبا – ومع انتهائها ترسبت بعض الشوائب في العلاقات الخليجية ـ الخليجية تحتم إزالتها والتفكير بجدية بآخر التحديات والتهديدات المشتركة والتي يجب مواجهتها متوحدين، الخليجيون يدركون أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم – ويؤمنون بأن بإمكانهم الاختلاف حول بعض السياسات في أوقات الرخاء ويؤمنون اكثر بالاتفاق في أوقات الشدة كما هو الحال الآن.
٭ ملاحظة: أكثر من عام كامل من الرحلات المكوكية بين العواصم الخليجية قام بها صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد من أجل إزالة الخلاف بين الأشقاء ولتقريب وجهات النظر، تكللت بالنجاح مع انعقاد قمة الرياض الأخيرة، فشكرا باسم كل الشعب الخليجي «لحكيم الخليج وقائد الإنسانية» على جهودك.