زرت عاصمة «جمهورية اليمن الديمقراطي» عدن في عام 1985 عقب دعوة تلقيتها من الحزب الحاكم لحضور احتفالات «ثورة أكتوبر» التي أوصلت الماركسيين -سابقا- إلى الحكم! طائرة «خطوط اليمدا» – هكذا كان اسمها في ذلك الوقت – التي هبطت في الكويت قادمة من دمشق لم تنقل إلا راكب واحد هو.. أنا!!
دخلت الطائرة فإذا بالركاب هم: نائب وزير الدفاع التشيكوسلوفاكي، مساعد وزير الدفاع الروماني، نائب رئيس أركان الجيش البلغاري، معاون القوة الجوية في سلاح الجو البولندي، زائد: «محسن إبراهيم» زعيم منظمة العمل الشيوعي!! «جورج حبش» زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين!! «نايف حواتمه» زعيم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين! جورج حاوي زعيم الحزب الشيوعي اللبناني و.. صحافي كويتي ليبرالي تقدمي «ثورجي» هو.. أنا!!
سألت نائب وزير الدفاع التشيكي عبر مترجم فلسطيني الأصل كان يرافقه وقلت له «سيدي، هذه الطائرة الملغومة بكل تلك الشخصيات الحمراء، وتطير فوق الجزيرة العربية، ماذا لو انطلق صاروخ امبريالي – أميركي من إحدى قواعد الرأسمالية العالمية – وهي تحمل كل هؤلاء الرفاق – وضربها ليرسلنا جميعا إلى الرفيق الأعلى. وماذا سيحدث عندها»؟!
بعد ترجمة سؤالي إلى التشيكية قال المسؤول ضاحكا: اطمئن، هذه الطائرة مرصودة من قبل الأسطول البحري السوفياتي الموجود في البحر الأسود، وتراقبها الأقمار الصناعية السوفياتية التي تدور فوق سماء الشرق الأوسط، لو اقترب عصفور منها فسوف.. يحترق»!!
وصلنا «عدن» وكانت الأعلام الحمراء في كل مكان، «الرفاق» يأتون من كل أنحاء العالم. من «نيكارغوا» و«كوبا» والقارة السمراء ليلتقي «الرفيق» بالرفيق «والسلاح بالسلاح»! أجريت حوارا مع «حبش وحواتمه وحاوي» ثم التقيت بوزير الدفاع اليمني الجنوبي الراحل «علي عنتر» وعدد من قيادات المكتب السياسي للحزب، وكان «الإيمان الأممي بقضايا المطحونين في كل مكان» يملأ مشاعرهم وقلوبهم وتترجمها كلماتهم ومفرداتهم «النارية» التي تشتعل ضد «الامبريالية وعملاء الامبريالية»!
عدت إلى الكويت ولم تمض بضعة شهور، وتحديدا في 13 يناير عام 1986 حتى اشتعلت «أحداث عدن الدامية» أو ما أطلقتُ عليها وقتها في مقال حزين: «سلاح الرفاق ضد رفاق السلاح»، حين اختلفت القيادة وقتلوا بعضهم البعض وهم داخل الدبابات في شوارع «خور- مكسر» وانهارت الثورة واختلطت الدماء الحمراء بالأعلام الحمراء! طرت وقتها إلى جارتها «جيبوتي» محاولا الدخول إلى عدن بحرا عبر «باب المندب» لتغطية الأحداث عبر سفينة تابعة للأمم المتحدة بعد أن أغلقت كل منافذ «جمهورية اليمن الديمقراطي»، دماء «الرفاق» التي سالت كانت أشبه بمياه السيل التي أزالت جبالا من الرمال، فقد أطاحت بكل ذلك «الإيمان الأممي بقضايا المطحونين في كل مكان» حين لجأ كل عضو في الحزب «الماركسي – التقدمي – الشيوعي» إلى قبيلته طالبا.. «الفزعة والحماية والنصرة» ضد «قبائل أبناء لينين».. الأخرى!!
عندنا – في الكويت – حين ابتدأ ما يسمى بـ«الحراك» وصلة الصراخ والنواح على الديمقراطية والحريات… أرادوا إيهام «الدهماء والغوغاء» بأنها.. صرخة «لكل أحرار العالم ومع كل أحرار العالم»، وعندما انقشعت الغمامة السوداء واتضحت الحقائق، سقطت جبال الرمال، ولجأ كل منهم – كما رفاق عدن القدامى – لقبيلته – لا لأحرار العالم – طالبا «العون والدعم»!
الحال في البحرين لا يختلف كثيرا عن حالنا في الكويت وحال عدن «أيام زمان» كلما شاهدت أو استمعت لرجال «جمعية الوفاق» عبر التلفزيونات والإذاعات وهم ينادون «بالحرية لكل المظلومين» ثم يحتمون بالطائفة ويتدثرون بالطائفية – عند اللزوم – آمنت أكثر بقول أمير شعرائنا أحمد شوقي حين قال «نصحت ونحن مختلفون دارا..ولكن كلنا في الهم… شرق»!!
– خالص التهاني والتبريكات إلى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء على النتائج الطيبة لفحوصاته الطبية، وأجر وعافية إن شاء الله.