من أفلام الزمن الجميل -ذات اللونين الأبيض والأسود التي أحب مشاهدتها على الدوام- فيلم «سي عمر» للكوميديان الراحل «نجيب الريحاني» وهو من إنتاج 1941 يتحدث عن رجل فقير يعمل في مزرعة لأحد الأثرياء يديرها وكيل أعماله «اللي يأكل مال النبي» كما وصفه بطل الفيلم «الريحاني» في أحد مشاهده الضاحكة! يطلب «الوكيل الحرامي» من الموظف «الغلبان» أن يسجل مبالغ وهمية في كشف مصاريف المزرعة منها «خمسون جنيها» قيمة خروف يستنكر الموظف هذا الرقم وينصح الوكيل بأن يقسم المبلغ تحت بند «شيء لزوم ..الشيء» فيسأله هذا عن معنى كلامه فيقول: «خمسة جنيهات سعر الخروف وجردل ماء بثلاثة جنيهات لشرب الخروف وخمسة جنيهات قيمة فحص طبيب بيطري لصحة الخروف وأربعة جنيهات قيمة برسيم وفول لأكل الخروف .. شيء لزوم الشيء.. وهكذا حتى ترتفع مصاريف الخروف إلى أكثر من الرقم الذي حدده الوكيل أصلا ثمنا له»!! ينبهر وكيل المزرعة بقدرة هذا الموظف وذكائه ويطلق عليه لقب ..«مدرس .. إبليس»!!
مشروع تلفزيون مجلس الأمة الجديد سيكون «الخروف الجديد» الذي سنشاهد ونستمتع جميعا بتفاصيل رعايته وتنميته وبما أن السبب المعلن لميلاده هو: «إتاحة الفرصة للمواطنين والناخبين لسماع وجهات نظر النواب والتي قد لا تنقلها وسائل الإعلام من محطات فضائية محلية وجرائد ومجلات ومواقع تواصل اجتماعي ومواقع الكترونية بالصورة الصحيحة مما قد يسبب إرباكا وتشويشا على إنجازات المجلس الخالدة والتي تنبع وتنبثق من روح الدستور الذي أسسه الآباء والأجداد العظام وهم في رحلة بناء الكويت الحديثة التي ..الخ ..الخ .. الخ» إذن فلا بد من أن يكون هناك «شيء لزوم الشيء» لهذا الصرح الإعلامي الجديد!! سيحتاج الأمر لشراء كاميرات تلفزيونية -محمولة وثابتة – تقدر قيمتها بنحو مليون دينار وبالطبع سيرسى عطاء الشراء على..«ابن خالة عم نائب في المجلس» وشيء لزوم الشيء ! الكاميرات الثابتة والمحمولة ستحتاج إلى استديو تلفزيوني مجهز على أحدث طراز وبتقنيات متطورة حتى «ينقل وجهات نظر النواب والتي قد لا تنقلها وسائل الإعلام بالصورة الصحيحة» وبتكلفة تبلغ نصف مليون دينار ويشاء السميع العليم والصدف السعيدة أن يرسى عطاء! إقامته على..«ابنة عم زوج خال أم أحد النواب» و..شيء لزوم الشيء!! التلفزيون الجديد بحاجة إلى مذيعين ومذيعات ومعدين ومعدات ومخرجين ومخرجات ومصورين ومصورات ربما ملتحين ومحجبات ويشاء السميع العليم والصدف السعيدة أن يكونوا من «ناخبي وناخبات دائرة انتخابية تابعة لأحد النواب» و..شيء لزوم الشيء !! بالطبع التلفزيون الوليد سيخرج إلى الدنيا و«حبل المشيمة يتدلى منه».
فلا بد من خبرات تلفزيون أكبر منه سنا وأكثر خبرة و«يقص حبل مشيمته» ويغذيه من «حليبه» ويمنحه من «حنانه ورعايته» الشيء الكثير ولأن مجلس الأمة «سيد قراره» ولأن تلفزيون دولة الكويت يتبع حكومة دولة الكويت وتطبيقا لمبدأ «فصل السلطات» وعدم «خلط السلطات» بعضها ببعض فلن يتم الاستعانة بالتلفزيون الحكومي المشبوه فلا بد من أخر خاص تشجيعا .. للخصخصة «وشيء لزوم الشيء»!! تحتاج المذيعات الجدد إلى أزياء وماكياج وباروكات ورموش وأظافر وكحل و«بودرة تلك» وكريم أساس و«شادو» فيتم الاتفاق مع صالون سيدات و«أتيليه للملابس النسائية» يشاء السميع العليم أن تملكه «زوجة ابن أحد أحفاد عضو مجلس الأمة» و..شيء لزوم الشيء!! ينتهي فيلم المبدع نجيب الريحاني -سي عمر «بنهاية سعيدة إذ تتسارع الأحداث ويتعرف على شقيقه صاحب المزرعة الذي كان غائبا عن أهله لعشرين سنة فيحبها وتحبه ويتزوجان ويعيشان عيشة هنية»!
أما عندنا في الكويت فستكون النهاية مختلفة إذ إما أن يصدر مرسوم بحل مجلس الأمة لعدم التعاون أو يتم إبطاله لخطأ في إجراءات قديمة فينتهي مشروع التلفزيون «صاحب المشيمة المتدلاه» ويذهب إلى حيث «ألقت أم قشعم برحلها» ولأن الشيء لزوم الشيء فلا بد أن يصدق فينا قول الشاعر الجاهلي القديم حين أنشد: «اللي ضرب ..ضرب …. واللي هرب ..هرب.»!!