كلما توقف القارئ أمام جمال أعمال كتاب كبار تساءل: كيف ظل هذا الكاتب وذاك مجهولين طوال هذه العقود؟!
عبر التاريخ كان التميز وبالا على صاحبه أيا كان، خاصة لو حاول التغريد خارج السرب.
لم يكن «دويستوفسكي» يوما كاتب الثورة كما كان «ماكسيم جوركي»، لذلك تأخر الاعتراف به وتكريمه، فقد ولد «دويستوفسكي» عام 1881، ولم تُكرّمه روسيا إلا عام 1956م.
حين اجتاحت موجةُ من الإلحاد الفكري أوروبا وروسيا معظم مثقفي أوروبا كان لكاتبنا رأي آخر، ضج معظم الكتاب آنذاك بظلم القيصر ولسان حالهم: «إذا كان القيصر يبطش بنا ويستند إلى الكنيسة التي تبرر قمعه، فنحن لا نريد القيصر ولا الكنيسة»، بينما كان كاتبنا يرى: «أننا نستطيع عمل إصلاحات دون إقصاء القيصر، ونستطيع أن نكون مؤمنين دون إسقاط الكنيسة».
تحمّس له «بولونسكي» في بادئ الأمر ثم اختلف معه وعاب عليه تشبثه بالغيبيات وكما قيل عنه كاتب «ميتيفيزقيا»، لأنه يرى العلاقة السببية التي تقدمها المادية الجدلية الحديثة لا تكفي لفهم العالم، وأن هناك نفسا، وروحا، ووجدانا، وهذه العناصر مهمة قبل كل شيء آخر.
مرت روسيا بأزمة هوية، وحاول كثيرون من مثقفي روسيا إسقاط النموذج الفرنسي ونقله بحذافيره إلى روسيا، فيما رأى دويستوفسكي أن هويتهم سلافية أورثوزوكسية.
من أفكاره أننا لسنا من نُنير الشعوب بالأفكار، بل هي التي تُنيرنا، لأن فطرتها سليمة، ولم تلوثها النظريات بعد، ثم ذهب متبنيا عبارة: «الشعب هو المعلم فقط استمعوا له».
إلى اللقاء.