يبدو أن دول الخليج لم ترجع من قمة كامب ديفيد بضمانات لأمنها وعلاقاتها الاستراتيجية بشكل كافٍ، وربما رجعت بالتزامات من جانبها، تحدد الدور المطلوب منها في المرحلة المقبلة، وهذا من شأنه أن يعزز المخاوف الخليجية، لا أن يبددها، خصوصا أن البيان الختامي للقمة استعمل كلمة «إمكانية» عند حديثه عن استخدام القوة العسكرية للدفاع عن أمن دول مجلس التعاون!
من الواضح أن أميركا تسعى إلى رسم المطلوب خليجيا قبل توقيع الاتفاق النهائي مع إيران في يونيو المقبل، وهذا الدور قد يصب في نهاية المطاف في مصلحة الجانب الإيراني، ويعزز دوره كقوة إقليمية تقود المنطقة، وكحليف استراتيجي محتمل للولايات المتحدة، وهذا قد يجعل لإيران أولوية على الخليج في العلاقة بالولايات المتحدة، فإذا كانت إسرائيل لها الأولوية في العلاقات الأميركية، تأتي بعدها الدول الأوروبية، ثم دول الخليج، فبعد أن يتم توقيع الاتفاق الايراني ـ الأميركي، ربما تحل إيران محل دول الخليج في سلّم أولويات العلاقات الاميركية!
ذهبت دول الخليج إلى «كامب ديفيد» للحصول على ضمانات أميركية، لكنها عادت وربما قدمت ما يشبه التعهدات بمكافحة الإرهاب و«اعتراض سبيل المقاتلين الاجانب» و«التصدي للتطرف العنيف في كل أشكاله»، وكل ذلك تحصيل حاصل، فلم تكن دول الخليج بحاجة إلى الذهاب إلى «كامب ديفيد»، من أجل تأكيد هذا الأمر، ولم يكن ذلك هدفها من حضور القمة، كما أنها ربما قدمت ما يشبه التعهدات في حال القيام بعمليات خارج حدودها بالتشاور مع الولايات المتحدة.
جاءت قمة كامب ديفيد لتقطع الطريق على دول الخليج في أن يكون لها دور حازم في مناطق النزاع في الإقليم، فعندما تحدث البيان الختامي عن كل من: سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، أكد «أنه ليس هناك من حل عسكري للصراعات الأهلية المسلحة في المنطقة، التي لا يمكن حلها إلا عبر السبل السياسية والسلمية، واحترام سيادة كل الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية»، وهذا يعني أن تبقى هذه المناطق بؤرا مشتعلة أطول وقت ممكن، بعيدا عن نفوذ دول الخليج!
من اللافت للنظر عند حديث البيان عن اليمن أنه تجاهل ما قام أو يقوم به الحوثيون من هيمنة بالقوة، وقصف الأبرياء والآمنين، وانقلاب على الشرعية، فلم يُدن ذلك، بل تحدث عن تنظيم القاعدة في اليمن وضرورة مواجهته! كما تعهدت دول الخليج بدعم الحكومة العراقية، التي تعتمد على ميليشيات طائفية!
يبدو أن رياح «كامب ديفيد» جاءت بما لا تشتهي سفن الخليج، ونخشى أن تحطم الصورة الخليجية التي بدأت تتشكل في أعقاب «عاصفة الحزم»، بأنها قادرة على صنع الحدث بحزم واستقلال، ولتُبَدد أي أحلام خليجية في القيام بأدوار من شأنها أن تعزز نفوذها.