قبل حوالي ستة أشهر، وصلتني دعوة من صديق لحضور حفل عقد قران ولده البالغ من العمر خمسة وعشرين عاما، فذهبت إلى صالة الأفراح المعهودة وباركت للأب والمعرس وشربت القهوة وغادرت!! وبعد مرور أقل من سنة ببضع أسابيع، جاءني اتصال من الأب يدعوني فيه إلى حفل عقد قران ولده «المعرس السابق». تفاجأت وقلت له «خير اللهم اجعله خير» ، فجاء جواب الصديق مختصرا وقليل الكلمات«لم يحدث النصيب، فافترقا بالطلاق».
زمان، كانت البنت تتزوج وهي في الثالثة عشر- أو الرابعة عشر من عمرها- وتعيش مع زوجها حتى تصل إلى سن السبعين.
فيتوفى رفيق دربها، وتظل باقية على ذكراه إلى سن التسعين- أو أكثر من ذلك بقليل- لتلحق به إلى الدار الآخرة. كانت هذه البنت الصغيرة هي «أمهاتنا وجداتنا وأمهات جداتنا»، فما الذي تغير في نهايات القرن العشرين وبدايات الألفية الثالثة؟
قرأت دراسة عن أسباب كثرة الطلاق في المجتمع الكويتي-خصوصا- والمجتمع الخليجي عموما، ووضع الباحث جداول لنسب الزواج والطلاق منذ الأربعينات وحتي عام 2000 ليبدو الأمر وكأن «تسونامي» اجتماعيا قد عصف بالحياة الزوجية خلال الثلاثين سنة الأخيرة، فأصبحت هذه المجتمعات الخليجية تعاني من مشكلتين أساسيتين هما عدم الزواج «العنوسة» بالنسبة للفتيات، وكثرة المطلقات في سن صغيرة لا تتجاوز العشرينات. يعزو الباحث هذا الارتفاع المستمر في هاتين الشريحتين إلى انفتاح المجتمعات المحلية على الخارجية، فيلجأ الكويتي أو السعودي أو البحريني أو القطري أو العماني أو الإماراتي للزواج من الدول العربية ودول جنوب شرق أسيا وغربها أيضا.
كما أن تسارع وتيرة الحياة اليومية واللهاث خلف تلبية الاحتياجات المعيشية والمسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق العديد من «النساء والبنات» تجاه أسرهن ساهما في ارتفاع أعداد غير المتزوجات، وطلاق المتزوجات حديثا من أزواجهن. المشكلة قديمة لكنها تتجدد على الدوام، والزواج سنة الله في الأرض ومهما كان الطلاق حتميا، فسيظل الرجال يتزوجون النساء ثم يطلقوهن، وتستمر البنت في اللهاث خلف الزواج لتطلب الطلاق بعد زواجها بأشهر.. كما حدث من ابن صديقي.
لا أحد يستطيع إيقاف هذا الدمار الاجتماعي المستمر، لكن نستطيع أن نقلص من أعداد ضحاياه إذا عرفنا الداء وشخصنا الدواء.