نحيا هذه الأيام، وتحديداً منذ حل مجلس أمة ٢٠١٢ الأول، في أسوأ وأظلم مرحلة للحريات العامة في الدولة. فحريات الضمير تم سحقها تماماً، وتشهد سجون “أمن الدولة” أعداداً متزايدة من الشباب الذين عبروا بسخرية بريئة عن وقائع سياسية معينة، مثل حالة محمد العجمي (بوعسم)، الذي صودرت حريته الثلاثاء الماضي بقرار الحبس الاحتياطي مدة شهر من المحكمة الجزائية، أي قبل أن يصدر بحقه حكم بالإدانة أو البراءة! وهناك شباب غير أبوعسم مازالوا في السجون لتغريدات بسيطة أو باتهامات مثل تجمع غير مشروع أو غير ذلك من جرائم التعبير والرأي التي تضج بها القوانين الكويتية، وأيضاً هناك محاكمات قادمة للكثيرين الذين رددوا خطاب النائب السابق مسلم البراك، الذي حكم عليه مؤخراً بالحبس مدة عامين.
هناك من يعتقد أنه رغم قوانين “أمن الدولة” المرعبة والمدجنة للبشر والمفعلة بحماس سلطوي شديد منذ ذلك التاريخ (٢٠١٢) فإنه من حيث المكان، يمكن اعتبار الكويت، عند أصحاب هذا الرأي الذي يدور في حلقات أتباع السلطة، أفضل من جيرانها، في قضايا الضمير، ومن حيث الزمان، لا يمكن مقارنة كويت اليوم مع كويت ما بين ٨٦ و٩٢، أي فترة الغياب الدستوري الكامل (شاملة فترة الاحتلال العراقي) حين نصبت وزارة الإعلام رقيباً موظفاً يتبعها في كل جريدة، مهمته أن يقوم بدور “رئيس التحرير” الحكومي المعين، ويشطب ويغير من الخبر والمقالات حسب اجتهاده، وبعد مراجعة “المراجع العليا” المختصين بشؤون الرقابة في وزارة الإعلام، مع ملاحظة أن معظم أشخاص المراجع العليا للرقابة على الفكر حظهم في الثقافة والفكر الإنسانيين يكاد يكون صفراً، وعلى ذلك كان الجهل المركب متسيداً على الفكر الحر. مثل هذا الرأي الذي يقارن بين سيئين، والذي يطلب منا مسايرة القمع الحالي لا يمكن قبوله، فقد تكون الكويت أفضل من بعض جيرانها “نسبياً” في حريات التعبير، إلا أن هامش الحريات الاجتماعية عند هؤلاء الجيران أفضل من الكويت بكل الأحوال، وإلا كيف نفسر الهجرات الجماعية للكثيرين نحو جيراننا بالخليج مع أي ومضة إجازة! والكويت تتجرع الآن الأمرين غياب الحريات الاجتماعية وغياب آخر للحريات السياسية!
أما مقارنة الأمس في فترة الغياب الدستوري وسيادة المجلس الوطني كملحق تابع للسلطة عام ٨٦ مع الوضع اليوم فهي أيضاً مقارنة غير عادلة، فتلك الأيام كان هناك رقيب حكومي يراقب الكلمة قبل أن تخرج للطباعة على صفحات الجرائد الخمس، كان يقتل الكلمة قبل أن تطبع، أما اليوم، ومع المجلس الوطني الجديد، وبفضل الملاحقات القانونية للمغردين وأصحاب الرأي مع استكمالها بنهج سحب هويات الانتماء (الجنسية)، فالكلمة تقبر في صدر صاحب الرأي، بعد أن زرعت السلطة في وجدان الإنسان “الرقيب الذاتي”، وأصبحت هواجس الرعب من السجون تتفاعل في صدره وتصادر رأيه، فهو يتردد عند كل حرف يفكر أن يجاهر به، مثلاً هل السخرية البريئة يمكن أن تعتبر إساءة لعلاقة مع دولة صديقة؟! هل الكلمات البسيطة يمكن أن تحمل على أنها إساءة لرمز سياسي، أو قد تسيء لعلاقة مع دولة ما؟… وهل ستقدم السفارات الأجنبية شكاوى كرد فعل لرأي بسيط؟!
اليوم، وبعد التغيرات في المنطقة، وبعد انتصار قوى المحافظة للنظام القديم على تطلعات وأحلام الربيع العربي تحيا الكويت في أسوأ وأظلم مرحلة للحريات العامة… فهل نكتفي بحالنا مرددين بقناعات الرياء والخوف والكسل “نحن نأكل ونشرب، ونحمد الله مو ناقصنا شي”؟… أم سنسأل أنفسنا: ماذا نكون بشراً أم قطيعاً من الأغنام في صحارى السأم؟!