تكالب الناس على معرفة اسم وصورة القاتل الذي سفك دماء أبرياء في مسجد علي بن أبي طالب في بلدة القديح بالقطيف بشرق المملكة العربية السعودية الجمعة الماضية.
وكانت المتابعة الكبيرة لمعرفة شخصيته تفترض أن الجريمة فردية، لا علاقة لها بالثقافة السائدة، ثقافة الكراهية والتخوين والتكفير، والتي ينساق لها جمهور واسع، ويحض عليها أشخاص بارزون في المجتمع، وتحتضنها مؤسسات رسمية وغير رسمية، وبالتالي فعندما يقوم شاب بفعلة كهذه، تُسفَك فيها الدماء، فلن يكون قد غرد خارج السرب بعيداً، بل تجد فعلته تلك أصداء ترحيب ودعم ومساندة.
فإن كانت النتيجة النهائية قد تم تنفيذها على يد شاب محبط، يظن أن خلاصه الموعود من دنيا فانية بقتل أناس أبرياء، فهل يُحاسَب هو فقط على ذلك الجرم وعلى تلك الفعلة؟ وهل يُعتَبر ما قام به فعلاً شاذاً أم أن هناك شبكة متكاملة لا ترى في فعلته شائبة بل ترى فيها نموذجاً لقمة التدين، والتضحية، والتفاني، وأن نتيجة ذلك كله القبول المطلق، فبماذا يضحي الإنسان أكثر من حياته إرضاءً لمبادئه؟
محاسبة الأفراد المنفذين المباشرين وحدَهم دون معالجة جدية للحالة البائسة التي عليها مَن يحرضون الناس على قتل الآخرين، هي محاسبة قاصرة وغير كافية، ولن تنهي حالة مسلسل العنف الذي يبرره الجميع كما يشاؤون.
لا أظن أن هناك جدية لمعالجة جذور التطرف والكراهية والإرهاب وترويع الأبرياء والآمنين، فما نسمعه ليس إلا ردود أفعال أقل حتى من حجم الحدث، ولا نعني هنا فقط جريمة القديح فحسب، ولكن الحالة العامة من الجنون والقتل الجماعي والفرح بذلك، وتبرير ذلك الفرح، دون استثناء أحد من ذلك الفعل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.