أحداث الجلسة الأخيرة لمجلس الأمة، وبعد انقضاء أكثر من نصف الفصل التشريعي، لا تمثل أي مؤشرات على تحسن الأداء الديمقراطي في ظل تطبيق نظام الصوت الواحد الذي راهنت عليه الحكومة والكثير من المجاميع الموالية لها، خصوصا في ظل انكماش المعارضة والهدوء السياسي الواضح على الساحة الكويتية.
لعلنا كتبنا في أكثر من مناسبة حول هذا الموضوع، وهذا لا يعني التكرار بقدر ما تؤكد الشواهد والممارسات النيابية فشل النموذج الحالي في “عقلنة” المسيرة السياسية، والارتقاء بأداء السلطة التشريعية وتجنيب البلد الوقوع أكثر في أتون الاحتقانات الحادة، خصوصاً في البعد الطائفي.
الشاهد الجديد في جلسة الاستجواب الأخيرة لا يكمن في شطب محور من محاور الاستجواب، ثم تحويل الجلسة إلى سرية، فهذا ليس سابقة، فقد قام المجلس الحالي بشطب استجواب بالكامل وحوّل جلسات عادية إلى سرية دونما مبرر مقنع، وهو بذلك لا يختلف عن المجالس السابقة، بل قد يسجل للمجالس السابقة أن مثل هكذا ممارسات كانت تمر بصعوبة بالغة، وبعضها لا يمر في ندية واضحة للحكومة، وقد يكون مثل هذا التهاون بهيبة المجلس حماسة إضافية لإثبات الكثير من النواب ولاءهم المطلق للحكومة التي لولاها لما كانوا يحلمون بعضوية البرلمان، وإنما يكمن الشاهد الجديد في مستوى الخطر الحقيقي الذي يواجه المجتمع الكويتي ككل.
الاستجواب يمكن أن يشطب، ويمكن أن يجهض، ويمكن أن ينتهي لمصلحة الوزير نفسه، ولكن الانفعالات والعنتريات المتعمدة وحركات التهديد والفزعة ورفع العقال إيذاناً بـ”الهواش” هي الجرح الذي يعمق النزيف المستمر في الجسد الكويتي، والدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي يعكس حجم النفوس المعبأة بالحقد والكراهية والتخوين المتبادل بين الكويتيين، ولهذا فإن المسرحيات المصطنعة تحت قبة عبدالله السالم، والمنقولة تلفزيونياً أو عبر الهواتف النقالة، هي مجرد مساعٍ رخيصة لكسب الصوت الانتخابي، وإن كان على حساب مشاعر الناس، وإلا بالإمكان اتخاذ أي قرار بما في ذلك شطب الاستجوابات أو حتى الدخول في مناقشات ساخنة دون المساس بالأعراض والانتماءات والأصول والمعتقدات، ولكن للأسف فإن هذا الأسلوب هو الأسهل والأسرع لضمان استمرار العضوية!
إن مشكلتنا الحقيقية تكمن في الثقافة المجتمعية المريضة التي تحولت إلى وعاء وحاضنة مستعدة لتقبل هذه الممارسات وهذا الطرح، وبناءً عليه فإن تعديل النظام الانتخابي لم يساهم حتى تدريجياً في تهذيب الطرح السياسي أو المنافسة القائمة على الطائفية والفئوية، ولم ينجح في تقديم أطروحات وطنية جامعة وبنّاءة، ومن الواضح أن الهدف الوحيد الذي تحقق هو خلق مجلس مهادن ومطيع يكون بمثابة “البنادول” الذي يمنع أي صداع سياسي للحكومة، ولا يهم مع ذلك أن يصل البلد إلى مرحلة الغيبوبة، ويذهب الشعب إلى الطوارئ الطبية لوقف نزيف جراحاته!