سامي النصف

الحرب والسلام في «حوار مفتوح»

دعانا الزميل غسان بن جدو للمشاركة في برنامجه الشائق «حوار مفتوح» الذي تبثه قناة الجزيرة من بيروت، وكان الضيف الآخر في اللقاء د.منذر سليمان رئيس مركز الدراسات العربية ـ الأميركية الذي أحال الحلقة ـ سامحه الله ـ مما يفترض فيها من حوار هادئ لدراسة خيارات دول المنطقة في الأزمان الحرجة القادمة إلى سلسلة اتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، وكان هناك ضمن الحلقة معقبون من لبنان والعراق وفلسطين.

والدكتور منذر سليمان الذي سبق ان واجهته في لقاءات على محطات أخرى هو أحد أوجه الغوغائية العربية المعاصرة كحال عطوان وبكري وغيرهما، والتي من خواصها الخصام ووفرة الاتهام مع كم كبير من النفاق السياسي وازدواجية المعايير، ففي وقت يطالب فيه بالضرب والحرب والثبور وعظائم الأمور ويدعو للتصدي لأميركا ومحاربتها لآخر مستضعف عربي، يبقى هو متنعما بدفء بيته في واشنطن عاصمة الشيطان الأكبر كما يسمي بلده أميركا، وهل يرضى احد بالعيش مع شيطان إلا شيطان مثله يا دكتور؟!

لقد اختطف الغوغاء والمتشددون القرار العربي منذ ما يقارب القرن من الزمن وألصقوا بكل من يدعو الى خيارات العقل والتهدئة والحكمة والسلام دعاوى التخوين والعمالة، فتحت راياتهم رُفض قرار لجنة بيل الملكية عام 1937 الذي أعطى الفلسطينيين 90% من الأرض، وتحت نفس الرايات الخادعة والكاذبة تم رفض قرار التقسيم عام 1948 الذي أعطى أغلب الأرض للفلسطينيين والذي يبكي الجميع دما على رفضه هذه الأيام، وفيما بعد ساقنا قرار التشدد والتثوير الى كل الهزائم والنكبات وفقدان الأراضي التي أصابت الأمة بدءا من هزائم حروب الأبوات (أبو خالد 56 و67، أبو عمار 70 و82) إلى هزائم حروب الأمهات (أم المعارك 1991، أم المواسم 2003).. الخ.

لقد عادينا تحت نهج التثوير والتشدد الدول القريبة والبعيدة، فقبل البعض منا بشن صدام الحرب على إيران وتهديد الجارة تركيا بسلخ لواء الاسكندرونة منها، وأيدنا تشطير الحبشة وهللنا لغزوة منهاتن ورحبنا برمي اليهود في البحر، وكنا في حروبنا مع الآخرين الأسرع في الكر والأسرع في الفر، لذا سحب العالم منا خيار الحرب بعد ان أسأنا استخدامه، ولم نكن في خيار السلام أفضل حالا، فنحن اول من يوقع المعاهدات ونحن اول من ينقضها (اتفاقيات الهدنة، اتفاقية الجزائر كمثال) ونحن دون العالم أجمع من اخترع خيار السلام البارد دون تطبيع كوسيلة لخداع الآخرين، اي سلام يقوم على أوراق يمكن ان تمزق وسفارات يمكن ان تغلق، ومرة أخرى أثبتنا أننا لسنا على مستوى استحقاق السلام فسحب العالم منا ذلك الخيار وبات من عاديناهم بتشددنا ورعونتنا بالأمس يعملون حاضرا ومستقبلا على وقف خطرنا عليهم عبر تمزيقنا وتشطيرنا وتشجيع الحروب الأهلية فيما بيننا اتقاء لشرنا المحتمل، بل يسعى البعض منهم في السر او العلن لإماتتنا عطشا وتحضير الأرض لحروب المياه، فما يحدث هذه الأيام في نيل مصر سيتكرر آجلا في نهري دجلة والفرات.

في الخلاصة ذكرت اننا بحاجة لخارطة طريق جديدة ترفض التطرف والتشدد والعنف، وتقوم ركائزها على الحكمة والتسامح ونبذ الحرب، وتبدأ بإعلان الأمة العربية عبر جامعتها العتيدة وأمينها العام عن اعتذار رسمي لكل من أساءت لهم حقبة الثورية والغوغائية السابقة سواء كانوا من شركائنا في الأوطان من أبناء الأديان والمذاهب والأعراق الأخرى أو الجيران أو البلدان المؤثرة في العالم كحال أميركا التي عاديناها منذ الخمسينيات أكثر من معاداة ألمانيا واليابان وفيتنام لها رغم انها ضرتهم ولم تضرنا، ولا مانع ان يتضمن بيان الاعتذار الاعتراف كنوع من التغيير أن جميع حروبنا مع الآخرين والتي اعتبرناها انتصارات مدوية هي في الواقع هزائم مروعة يجب ان نخجل منها، فالاعتراف بالهزيمة في كثير من الأحيان أول خطوات النصر.

آخر محطة

(1): سألنا أحد معقبي البرنامج من الاخوة الفلسطينيين: ما دمتم لم تقبلوا إبان غزو صدام التنازل عن شبر من أرضكم فلماذا تطلبوا منا القبول بمفاوضات سلام تؤدي للتنازل عن جزء من أرضنا؟! الإجابة كانت سهلة وبسيطة: فعندما تحشد دول العالم نصف مليون جندي على حدود فلسطين لتحريرها حينها عليكم ألا تتنازلوا عن ظفر ـ لا شبر ـ من الأرض الممتدة من النهر إلى البحر، أما وضع شروط القوي والمنتصر وأرضكم تضيع مع كل يوم يمر وأنتم في خلاف شديد فيما بينكم فهذا كلام لا يقوله عاقل.

(2) غياب ثقافة التسامح وزيادة جرعة التشدد والغوغائية يعطيان دلالة أكيدة على أن «الصوملة» هي ما سينتهي إليه حال المنطقة العربية الممتدة من الخليج الى المحيط تباعا خلال السنوات القليلة القادمة، والبداية في السودان خلال شهرين ثم العراق ولبنان والباقي سريعا على الطريق.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *