من المعروف في أغلب، او كل الديانات، أن مهمة رجل الدين تحظى باحترام. وهي وظيفة سهلة غالبا، ولا تتطلب من شاغلها غالبا غير ذاكرة جيدة وإخلاصا في خدمة المجتمع أو الرعية التي تتبعه. ويسري الأمر ذاته على من يقومون بالأعمال المساعدة في دور العبادة، حيث لا يتطلب الكثير منهم، ذهنيا أو جسديا، وأيضا لهم مكانتهم في المجتمع. وعلى الرغم من كل ذلك، فإننا نجد عزوفا عن تولي مثل هذه الوظائف، إما بسبب ما طرأت من تغيرات مجتمعية، والهجر المتزايد لدور العبادة، واما لما تعطيه الوظائف الأخرى من مغريات دنيوية وجاذبية. ولهذا نجد أن كنائس كثيرة مثلا غيرت سابق قناعاتها وانظمتها التي سارت عليها لقرون طويلة لكي تعيد الرعية اليها. كما سمحت غيرها (الكاثوليكية) بحق الزواج والطلاق لراعي الكنيسة، أثناء فترة خدمته. كما قامت غيرها بالسماح للمرأة بممارسة العمل الكنسي، وتقديم عظة الأحد، بسبب عزوف الرجال عن الانخراط في السلك الكهنوتي. ولا يمكن هنا تجاهل تأثير الفكر العلماني على هذا التناقص الذي يشهده التأثير الكنسي على أفراد المجتمع، وملاحظة أنه كلما زاد تقدم المجتمع، وزاد عدد المتعلمين فيه، كما هي الحال في الدول الإسكندنافية، قل عدد مرتادي الكنائس، والعكس صحيح بالطبع.
الوضع في الدول الإسلامية والعربية، الخليجية بالذات، مختلف، فمجتمعاتنا متدينة بدرجة كبيرة، حسب الظاهر على الأقل، كما أن هناك حركة محمومة لبناء مساجد لتغطية الطلب عليها. كما تقوم فئات محددة بالتعبد بحماس أكبر من ذي قبل، مما يظهرنا كشعوب غارقة في ممارسة التدين. ولكن اللافت للنظر عزوف حتى خريجي المعاهد الدينية عن العمل في المساجد كأئمة او مؤذنين، مما اضطر وزارة الأوقاف، الإخوانية، سنة بعد أخرى ومنذ أكثر من نصف قرن، لجلب أئمة ومؤذنين من الخارج، وكأنهم أصحاب تخصصات نادرة لا تتوافر في دولنا. واستمرار هذه الظواهر أمر مقلق حقا، ودليل على فشل نظم التعليم في مجتمعاتنا، ودليل أيضا على عدم الحاجة الى وجود معاهد أو مدارس دينية طالما أن خريجيها لن يعملوا في نهاية الأمر في مجال تخصصهم!
كما بينت المراجعة الأولية لكتب بعض المراحل الدراسية أن أي تعديل او تطوير للمناهج لن يجدي نفعا، بخلاف أن هذا التعديل والتطوير سيستغرق أعواما طويلة، وقد يأتي مسؤول آخر ليوقفها، أو يلغيها في سلال القمامة. وبالتالي لا يتطلب الأمر هنا اختراع العجلة، بل الاستعانة بما هو متوافر، كمناهج الدول المتقدمة مثل فنلندا وسنغافوره وغيرهما، وإجراء تعديلات طفيفة عليها لتلائم بيئتنا! وبغير ذلك سندور، كالثيران، في حلقة مفرغة دون أن نصل لأي هدف او نحقق شيئا للأجيال القادمة، التي يشغلني كثيرا ما ينتظرها من مستقبل مظلم، في ظل إدارة مؤسساتنا الرشيدة!
• ملاحظة:
لست ضد تجنيس اي كفاءة، وأتعاطف بقوة مع البدون، ولكن ليس كل من حقق هدفا كرويا يمنح الجنسية! فما الذي سنقوم به، إن تسبب مستقبلا الشخص نفسه في خسارة مباراة، هل سنسحب الجنسية منه؟
أحمد الصراف