أخيراً أصبح ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. الرئيس الذي يعتبر الإسلام والمسلمين شراً على الولايات المتحدة، والذي يعتبر إسرائيل الحليف الاستراتيجي لها، والدولة الأهم بالرعاية! وصل ترامب إلى البيت الأبيض ليمارس سياسة شديدة الوضوح في عدائها ضد العرب والمسلمين، شديدة الصراحة في دعم دولة بني صهيون.
ولئن كان أوباما ومن سبقه من رؤساء أميركا يدعمون الأنظمة الدكتاتورية والقمعية في الواقع ويعلنون خلاف ذلك، فإن الرئيس الجديد سيكون واضحاً في دعم هذه الأنظمة من دون مواربة أو نفاق! وأقرب مثال على ذلك الأزمة السورية، حيث كان أوباما يدعم النظام السوري خلف الكواليس ويحرص على استمراره قوياً في وجه المجاهدين، بينما وزير خارجيته يعلن باستمرار في وسائل الإعلام رفض أميركا بقاء الأسد، ويندد بجرائمه في حق شعبه!
اليوم يأتي ترامب ليعلن، ليس دعم نظام بشار فقط، بل ويؤيد جرائم روسيا في الأراضي السورية!
لعل ما يهمنا اليوم هو موقف أميركا من دول مجلس التعاون الخليجي، فمنذ منتصف القرن الماضي إلى أمس ونحن نعتقد – وما زال بعضنا يعتقد – أن أميركا حليفة، بل وصديقة لنا! وسخرنا كل سياساتنا الخارجية انطلاقاً من هذا المفهوم واستناداً إليه، بل سخرنا – أحياناً – حتى مقدراتنا الاقتصادية ومواردنا المتاحة وفقاً لتوجيهات ونصائح، بل ومصالح، الحليف الأميركي الدائم (!!)، فحاربنا إيران، التي تسمي أميركا الشيطان الأكبر، وحاربنا حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تعتبرها أميركا إرهابية، ودعّمنا نظام السلطة الفلسطينية، الذي ترى أميركا في وجوده دعماً واستقراراً للكيان الصهيوني. وعلى المستوى الداخلي، حاربنا العمل الخيري وحجّمناه؛ لأن تقارير استخباراتية غربية تشك في دعمه للمجاهدين، وبعضنا شَيطن التيار الإسلامي المعتدل، فألقى بخيرة شبابه في السجون إرضاءً لخاطر أميركا، وأصبحت دولنا تشتري الأسلحة الأميركية بمليارات الدولارات وتكدسها في المخازن، وبعد استهلاك عمرها الزمني تتم سكربتها وإعادة شراء الطراز الجديد منها ومن ثم إعادتها إلى المخازن، كما حدث مع الطائرات المقاتلة F18! وبعد كل هذه المضحكات المبكيات من السياسات، يتضح لنا أن الأميركان كانوا يضحكون علينا طوال هذه السنين، وأنه بين عشية وضحاها باعتنا إلى ألد خصومنا، وأدارت لنا ظهر المجن، ولكن بعد ماذا، بعد خراب البصرة!
اليوم يأتي ترامب ليقول لنا بكل وضوح وشفافية: أنتم أيها الخليجيون لا تستحقون هذا النفط الذي يدر عليكم هذه الثروة، أنتم يجب أن تتحملوا جميع مصاريفنا لحمايتكم (وهو طبعاً لن يحمينا بل يبتزنا)، ويجب عليكم أن تسددوا كل ما قدمناه لكم في السنوات الماضية! يعني مع شينه قوات عينه!
أنا شخصياً أُؤمن بأن ما يقدره الله خير للأمة، إن عرفنا كيف نقرأ الأحداث، فمن يدري لعلنا بعد هذه الغفلة الطويلة قد حان الوقت لنا كأمة أن نستفيق من سباتنا، وأن نعرف صديقنا من عدونا، وأن نبدأ بالاعتماد على أنفسنا في بناء مجتمعاتنا بشكل أكثر استقلالية، وأن تكون الأولوية لمصالح دولنا لا مصالح الآخرين، وأن نتعلم كيف نرفض الابتزاز وكيف نقول لا كبيرة نحترم فيها أنفسنا، إن كنا نريد للآخرين أن يحترمونا. القادم قد يكون شراً، ولكن «وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ» (البقرة: 216).