قرأت قبل يومين تقريرا تحليليا في وحدة التقارير في صحيفتنا “الاقتصادية”، حول إجمالي إنفاق الدولة على الرواتب والبدلات لموظفي الدولة خلال العام الماضي 2015، الذي بلغ 487.5 مليار ريال. وذلك بعد قرار مجلس الوزراء السعودي الأخير خفض رواتب وبدلات وعلاوات ومكافآت الوزراء وأعضاء مجلس الشورى، وعلاوات ومكافآت وبدلات موظفي الدولة. واستند تحليل “الاقتصادية” إلى تصريحات سابقة للدكتور إبراهيم العساف وزير المالية، بأن هذا البند يستقطع عادة نحو 50 في المائة من نفقات الدولة البالغة فعليا 975 مليار ريال في 2015. يقول التقرير إن مخصصات الرواتب والبدلات وأجور العمال العام الماضي، شكلت نحو 38 في المائة من ميزانية الدولة المقدرة حينها بـ860 مليار ريال. وبلغ عدد موظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري نحو 3.32 مليون موظف بنهاية عام 2014، فيما يبلغ عدد موظفي الخدمة المدنية بنهاية رمضان 1436هـ (منتصف يوليو 2015) نحو 1.26 مليون موظف ومستخدم.
أهتم بالاقتصاد لعلاقته بالتنمية وتداخلاته بالسياسة والأمن بطبيعة الحال، وما بقي من تفاصيل ذلك فهو شأن الاقتصاديين. وما شدني هو إمكانية تحليل مزيد من مثل هذه التقارير بمعلومات إضافية قد تتعلق بأعمار الموظفين ونوع الأعمال التي يمارسونها في القطاع العام، ومدى إمكانية استبدال الأعمال الحالية بأخرى إلكترونية – مثلا – بتقليص الوظائف التي قد يمارسها لاحقا شباب، يتم توظيف بعضهم “من بعد” دون الحاجة حتى إلى المكاتب والأجهزة وميزانياتها، وذلك في بعض الأقسام التي قد لا تتطلب ذلك بطبيعة الحال. ولا سيما أن الأعمال من بعد تتنامى في العالم بشكل كببر، منها ما يقترب من 50 في المائة من الوظائف في أمريكا. أما في نقطة استبدال الوظائف فهي تتعلق بالتقاعد المبكر لمن لا تتطلب وظائفهم خبرات مهنية حيوية، ومن ثم تقدم الحكومة ما يسمى بالشيك الذهبي- أو صيغة شبيهة منه تراعي خصوصية الجهات الحكومية- للموظف الذي يمكن الاستغناء عنه دون انتظار، عن طريق شراء الخدمة. من شأن ذلك علاج البيروقراطية والترهل الوظيفي، إضافة إلى تجاوز صعوبة تعامل القدامى مع التوجه التقني الجديد للأجهزة الحكومية. وهو ما قامت به بعض الشركات قبل سنوات مثل أرامكو والاتصالات والكهرباء.
الشيك الذهبي للتقاعد المبكر سيسهم في غربلة الموظفين والإبقاء على من تتوافر لديهم الكفاءة. لقد حان الوقت لتجديد وتحديد مسؤوليات ومهمات الإدارات والموظفين في الأجهزة الحكومية، خاصة مع تقادم الأنظمة واللوائح التي قد ينتج عنها خلل في توزيع الموظفين. لذا تبرز الحاجة إلى إعادة توزيع الموظفين بما يتناسب مع طبيعة العمل وحجمه سواء في التعليم والعمل والصحة والخدمة المدنية وغيرها. من ناحية أخرى، قد يحل هذا الشيك أزمات أطراف مختلفة منها البطالة، ومنها حل أزمة من يرغبون في تملك سكن فلربما يساعدهم ذلك، أو حتى تمويل مشاريع محتملة للمتقاعدين. وفي كل الأحوال يعود بالنفع على نمو القطاع الخاص والاستثمارات في البلد، ويحل مشكلات أطراف مختلفة. وبالنظر إلى التكلفة المادية فإن المقارنات تكمن في حجم النفقات ومن ضمنها النفقات المؤجلة، فمن ناحية أخرى بتوظيف العاطلين محلهم سيتم تقليص نفقات برامج أخرى مثل “حافز” و”تنمية الموارد البشرية”، التي تستقطع جزءا كبيرا من ميزانيات الأجهزة. على كل حال، الدراسات والأرقام تبين ذلك، ولا بد أن الأجهزة لديها ما يمكن تحليله وحل مشكلات مختلفة، قد تكون متداخلة، من خلال ذلك.