إنه اليوم الوطني الـ 86. فيما الرقم يزداد مع السنوات، نكون أمام تحديات مع أنفسنا ومع هذا العالم الكبير الصغير من حولنا. هذه التحديات الداخلية والخارجية تطرح علينا أسئلة كثيرة حول مسألة التعاطي معها، وذلك لأننا لسنا من قائمة المتفرجين، بل لأننا لاعب رئيس. ولا يمكن بطبيعة الحال ضبط منسوب القومية والشعبوية المتزايد في كل العالم، وهذا عائد لثلاثة تحديات أساسية كبرى هي: الإرهاب، والاقتصاد، والسياسة. على الرغم من أن العولمة والمواطنة العالمية كانتا شعار العصر الحديث لأسباب منها التطور التكنولوجي الهائل وثورة الاتصالات والتجارة الحرة، ما يفترض أن يجعل من هذا العالم قرية كونية بلا جدران. إلا أن تصاعد هذه التحديات الثلاث أثر في وحدة أهداف هذا العالم والبشرية نحو التطور والاندماج والحياة ونحو البيئة والكوكب.
تصاعد منسوب القومية ليس مؤشرا صالحا على أي حال. القومية والوطنية شيئان مختلفان. فالقومية هي وحدة العنصر أمام أي عنصر آخر، مثل قومية البيض تجاه أي عنصر آخر كما يحدث في أمريكا وأوروبا، أو حتى صراع القومية العربية أو التركية أو الكردية أو الفارسية في منطقتنا، وقبل ذلك الأيديولوجيا. وهذا يعني أن الصراع قد يكون حتما داخل دولة واحدة ضد المكونات الأخرى المختلفة كما يحدث في أمريكا مثالا، كتنامي العرقية بين البيض والملونين، كذلك مع حمى الانتخابات والخلافات حول ملفات داخلية وخارجية. صراع القوميات العالمي ليس وليد اليوم، لكنها لعنة نائمة، إيقاظها هو مؤشر أزمة. أما ارتفاع منسوب القومية العالمي فقد ظهر في مناسبات عالمية معولمة كالأولمبياد والبارأولمبية، وهي مناسبات يفترض فيها أن تعبر عن العولمة والثقافات.
الغضب العالمي بين الشعوب وما بين الشعب الواحد أمر يستحق أن يتوقف الفرد منا أمامه بمسؤولية. والمسؤولية هذه عالمية. انطلقت شراراتها من أزمة الحروب والاضطرابات السياسية في العالم من تنامي الإسلاموفوبيا بسبب الإرهاب وما تنتجه هذه الحروب من قلق. كما تركت الاضطرابات أثرها في هذا العالم ككل اقتصاديا، وتزايد ذلك بسبب غضب العمال أو الـ blue collar workers ويعتقد بعض الأكاديميين الدارسين للحالة، أنها بسبب الغضب المتزايد بشأن المهاجرين وما تنتجه هذه الحالة من خليط سام بين عدم التسامح الديني والعنصري ورهاب الغرباء أو الأجانب. ويسهم في تأجيجه اليمين المتطرف ويكسب من ورائه أصواتا ومواقف وأوراقا رابحة، تفوق ما يكسبه من أوراق الوضع الاقتصادي المتعثر. ما يحدث في منطقتنا جزء من العالم، وما يحدث في الجزء الآخر من العالم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مثالا، أو الانتخابات الأمريكية وظاهرة ترامب الكامنة أيضا جزء منا. نحتاج إلى أن نفهم حيثيات هذه المعركة في هذا الوقت من التاريخ بين الوطنية العنصرية وبين ثقافة التعدد الليبرالية وتقبل أنفسنا في الداخل والعالم من حولنا. صراع الأيديولوجيا في القرن الـ 21 صراع مرير وكأن عجلة العصر المسرعة توقفت فجأة لتدير المحرك إلى الوراء في مواجهات سخيفة قاتلة.
مرت السعودية بتاريخ كانت فيه وما زالت محورا اقتصاديا وسياسيا ودينيا ومجالات أخرى لا تقل أهمية على مستوى المنطقة والعالم. وهي مراحل تباينت منذ انطلاقة مرحلة المؤسس الملك عبد العزيز والملوك من بعده وحتى اليوم في مرحلة الملك سلمان بن عبد العزيز بطابعها الجديد. لا شك أن تحدياتنا المتجددة هي متقاطعة بين الداخل والخارج، بين ثرواتنا الوطنية البشرية والاقتصادية، بين السياسات الداخلية والخارجية. ومع كل تحدياتنا الجدية في يومنا الوطني الجديد في السعودية، يستلزم الأمر منا مراجعة علاقاتنا الداخلية، ومسألة الإسهام في ضبط الإيقاع وتوجيهه بعيدا عن المنحدر. كما بطبيعة الحال العمل على صورتنا الخارجية بأن نبادر نحو العالم كشعب حداثي، وأن نكون جزءا من الثقافة العالمية. نحن شعب بمكوناته المتطورة يستحق صورة واقعية أفضل من الصور المستهلكة عنا. إنها توليفة السهل الممتنع، بسيطة حد التفاهة، صعبة حد اليأس.