تعتبر البصمة الوراثية للإنسان من أخص خصوصياته، فلها حرمة لا تقل عن حرمة بيته وممتلكاته الخاصة، التي له كامل الحق بسترها عن الآخرين، وعدم إطلاع أحد عليها، إلا في حدود ضيقة كحالة استثنائية وبطلب من القضاء.
أصبح الوضع الاستثنائي على مستوى العالم وضعاً أصلياً وطبيعياً في الكويت، بحيث تؤخذ عينات الحمض النووي من جميع المواطنين والمقيمين ويحتفظ بها، ويُسن قانون لشرعنة هذا الوضع الشاذ، والمناقض للقواعد الشرعية والدستورية والإنسانية، والمستنكر على مستوى الهيئات الفقهية، والخبراء الدستوريين، والمنظمات الحقوقية. لذلك لا نستغرب أن تصف لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة (في يوليو الماضي) قانون البصمة الوراثية، الذي أقره مجلس الأمة، بأنه «غير مناسب وينتهك خصوصية المواطنين»، وتطالب بأن يكون إجراء البصمة الوراثية «مقصوراً على الأفراد المشتبه في ارتكابهم جرائم خطرة، وبعد الحصول على أمر من المحكمة»، وتطالب اللجنة الكويت بتعديل هذا القانون المعيب!
أما المنظمة العالمية لحقوق الإنسان، فقد ردت على المبررات الأمنية لهذا القانون، وقالت انها «غير كافية لتبرير التعدي الجماعي على حقوق الإنسان»، كما انه «من غير الواضح أصلاً ما إذا كان فحص الحمض النووي سيفيد بصفة خاصة، بالنظر الى وفرة أنواع المعلومات المتعلقة بالمشتبه بهم في قواعد بيانات الشرطة»، فمن الواضح ضعف وتهافت الحجة الأمنية، التي يتم تسويقها لتبرير القانون، فهناك دول تعرضت لإرهاب يفوق ما تعرضت له الكويت، ومع ذلك لم تسمح لنفسها بأن تسن مثل هذه القانون، الذي اعتبرته منظمة حقوق الإنسان تعدياً جماعياً على حقوق الإنسان.
إن وجود بيانات شخصية، وعلى درجة عالية من الخصوصية، في أيدي شركات خاصة، وتحت تصرف وزارة الداخلية، ويمكن تبادلها مع دول أخرى (كما ينص القانون)، أمر يبعث على الخوف والريبة، مهما حاولوا تقديم تطمينات للمجتمع، لأننا نكاد نشهد يوميا تسريب أوراق ووثائق خاصة من مختلف الجهات الحكومية إلى وسائل الإعلام، فما هي ضمانة ألا تكون نتائج تلك العينات الخاصة عرضة لمثل تلك التسريبات، لتصبح مادة لتصفية الحسابات يتلاعب بها بعض السياسيين؟ أو في أحسن الأحوال تكون عرضة للاختراق أو الاختلاط نتيجة الإهمال المعتاد أو السرقة، وهي تحتوي على بيان غاية في الخطورة والسرية؟
من المؤسف حقاً أن يجد المواطن نفسه في مواجهة مع قانون يمثل اعتداء صارخاً على خصوصياته، بصورة ليس لها مثيل على مستوى العالم، وقد يكون أداة لتفجير المجتمع وإثارة أسباب الفرقة والتفكك فيه.. وبعد ذلك يذرفون الدموع على وحدته الوطنية المفقودة!