توجد عند الكثيرين مشاعر عدائية واضحة تجاه الغرب وكل ما يمثله من قيم، والسبب يعود اساسا الى الجهل بما تعنيه حضارتهم، وإلى التاريخ الاستعماري لبعض الدول الأوروبية، التي كانت في غالبيتها إيجابية!
فالغرب ليس جيوشا وقوات احتلال بل هو أبو وأم الثقافة البشرية الحالية وحاضن حضارتها، وهو، وليس أي منطقة جغرافية اخرى، الذي أخرج البشرية من عميق سباتها، ومن عصور الظلام، لرحاب النور والمعرفة، ومن فقرها وعجزها لعالم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وما تبع ذلك من اكتشافات طبية وجغرافية وعلمية.
والجميل في الحضارة الغربية الحديثة اننا، بسبب روعتها، تقبلناها بسكوت وتشربنا مبادئها على الرغم من كل ما تضمره أفئدتنا من عداوة دينية واخلاقية لها، فقد كان تخلفنا المتوارث سيئا لدرجة كبيرة، بحيث كنا على استعداد لتقبل اي تغيير يذكر، فما بالك بتغيير ينقلك، في خطوات قليلة، من شبه التوحش لكمال الإنسانية.
نعم لقد اصبحنا اليوم أسرى الحضارة الأوروبية، وهذا ليس من مسؤوليتهم ولم يقصدوا وقوعه أو حدوثه لنا، ولكن جفاف حياتنا، ثقافيا وإنسانيا سهل ذلك، ولكنه أسر إيجابي في مجمله، فقد كنا، ولا تزال أجزاء كبيرة من دولنا، اسرى تاريخها المظلم، وابعد ما تكون عن الإنسانية الحقة.
تقول المفكرة وفاء سلطان:، إننا عندما نستلهم الغربَ فلا يعني ذلك أننا نتعيش عصرنا، فالعصر عصر غربي رغما عنا، فحسب، وإنما يعني ــ أيضا ــ أنك تعي عصرك تمام الوعي، تعي اختلافه وتميزه الاستثنائي وموقعه من التاريخ.
كما أن كراهية الغرب لا تعكس حالة عاطفية خاصة؛ بقدر ما تعكس ما هو أكثر من ذلك، لتكون تعبيرا عن خروج همجي على العصر، رغم كل صور الانغماس في المعاصرة.
من هنا، فكراهية الغرب ستبقى كراهية عمياء، لا دوافع لها إلا دوافع الجهل بهذا العصر، وباختلاف هذا العصر، وبتميز هذا العصر عن كل ما سبقه من العصور، إضافة إلى الحسد الدفين الذي يحرق قلوب الكسالى وقلوب المفلسين من الإبداع، والذين يتلظّون غيظاً على من يمتلك جديّة العاملين وثراء المبدعين.
إن القبول بالثقافة الغربية ليس موقفا عاطفيا؛ بقدر ما هو حضور عقلاني واعٍ، يعكس مستوى الوعي ونوعيته واتجاهه. إنك عندما تحب الغرب، فلا بد أن تعي أن هذه المحبة هي محبة «ما فوق عاطفية»، أي أنها تتجاوز المطلب العاطفي البسيط، لتكون مسألة موقف قيمي، كما هي مسألة عقلانية، ومسألة حضارية، ومسألة إنسانية. وعندما تكره الغرب فأنت في موقف سلبي من كل هذه المسائل التي تعكس ــ بالضرورة ــ مستوى تحضرك، بل مدى قابليتك للتحضر، مهما كان حجم التبجح والادعاء في هذا المضمار. وقديما قال المتنبي:
وأظلم أهل الظلم من بات حاسدا
لمن بات في نعمائه يتقلبُ