دخل قانون البصمة الوراثية حيز التنفيذ، وهو قانون ليس له مثيل في العالم كله، بل إن بعض الدول المتحضرة اتخذت إجراءات حاسمة ضد هذه النوعية من التشريعات والإجراءات، فالكونغرس الأميركي رفضها في أعقاب أحداث سبتمبر التي راح ضحيتها الآلاف، والشرطة البريطانية قامت بإتلاف أكثر من ١٠ آلاف عينة من الحمض النووي بعد تفجيرات ٢٠٠٥، لما يمثله الاحتفاظ بها من انتهاك لأبسط قواعد الخصوصية الشخصية للأبرياء، ولا يبرره وجود إرهاب!
من المؤسف أن مثل هذا القانون المصيري والحساس جدا يصدر بشكل متسرع من دون أن يأخذ حاصله من النقاش المجتمعي، فيظهر بهذا الشكل المعيب، منتهكا قواعد الشريعة الإسلامية، والحقوق الإنسانية، والمواد الدستورية، ومعرضاً المجتمع لمخاطر لا يعلم عواقبها إلا الله، ويجعله على حافة التفكك والانكسار.
الخلاف الفقهي في اعتماد البصمة الوراثية محصور في حالة النزاع، وهل يؤخذ به في الإثبات أو النفي؟ أما الإجراءات المنصوص عليها في القانون الحالي من أخذ عينات جميع المواطنين والمقيمين والزائرين والاحتفاظ بها، فلا أعرف خلافاً في حرمتها، حيث نص القرار السابع للمجمع الفقهي المنعقد عام ٢٠٠٢ على أنه «لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، كما لا يجوز استخدامها للتأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس، وصونا لأنسابهم».
وكان من ضمن التوصيات التي تضمنها القرار «أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء، وأن تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص، لما يترتب عليه من المخاطر الكبرى»، وإذا كان المجمع الفقهي قد منع الاعتماد على البصمة في النفي، فإن هيئة الإفتاء في وزارة الأوقاف الكويتية قد منعت الاعتماد عليها في الثبوت أيضا، سواء كانت نتيجته قطعية أم ظنية، إذاً فالمسألة من الناحية الشرعية مقطوع بحرمتها، وانحصر الخلاف الفقهي في حال النزاع، التي ينظر فيها القضاء، ويكون الفحص بأمره.
أما من الناحية القانونية والدستورية فقد بيّن العديد من القانونيين العوار في هذا القانون، حيث أكد الخبير الدستوري د. محمد الفيلي أن القانون يتضمن مخالفات كثيرة للدستور، أهمها تقليصه حق الإنسان في اختيار إجراء البصمة من عدمه، فضلاً عن سماح إجراءاته بانتهاك خصوصية البشر، وانتهاك أسرارهم، وتعريضهم للابتزاز، إلى جانب التفكك الاجتماعي الذي سيصيب الأسر.
إن أكثر ما يُتخوف منه أن يكون الدافع الخفي وراء هذا القانون المعيب هو ممارسة نوع من الترهيب للمجتمع، فيكون أداة ضغط وابتزاز، خصوصاً إذا علمنا أن المختبرات التي تأخذ العينات تابعة لشركات خاصة، وبالتالي تكون أهم وأخطر خصوصيات الناس مرهونة لدى القطاع الخاص، وتحت تصرف حكومة مشهود لها بالإهمال والتقصير!