ما الذي تريده الدولة من نظامها التعليمي؟ وقبل ذلك ما النمط الغالب الذي تريده لنظامها الاقتصادي؟ سؤالان بسيطان يختصران الكثير من المسافات والتجارب المحكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ، الكويت مثلا لن تكون بلدا زراعيا لأنها صحراء، إذاً المنطق يقول لن تفتتح كلية زراعة في الكويت حتى تحدث معجزة أو يتطور العلم بما يكفي لأن نسد حاجاتنا الأساسية من الإنتاج المحلي.
وفق هذه المنظور المبسط تتحدد الكثير من الأمور التي ترسم ملامحها الأساسية قرارات سياسية «تأسيسية» شاملة تنعكس على كل مفاصل الدولة، وتنبع من «هوية» الدولة و»حاجاتها» التي هي أم الاختراع، في حالة الكويت تم حل الإشكالية الأولى «الهوية» نظريا من خلال وضع الدستور عام 1962م، أما الثانية فهي باعتقادي الجذر الرئيس المغذي لحالة التدهور المستمرة في بنية النظام التعليمي وكفاءة مخرجاته.
فيما يخص «الهوية» لا بد من التوقف عند أمر بات أمرا واقعا منذ زمن، وهو أن النظام التعليمي في الكويت فشل في ترسيخ الهوية الوطنية لدى الطلبة، وساهم من خلال اعتناق بعض معلميه للأفكار المنغلقة في خلق أجيال ترفض انفتاح الكويت على العالم، وتتوجس من أي تفكير خارج منظومة الأفكار المتشددة التي تشربها في الوعي واللاوعي، وفي النهاية تزرع الدولة دون قصد مباشر منها صناع قرار في مختلف وزاراتها يعملون على عرقلة كل خطواتها الإصلاحية «إن وجدت».
نأتي إلى «الحاجات»: الكويت بلد نفطي وقطاعه الإنتاجي هو القائد لبقية القطاعات، ورغم ذلك لا يتلقى طلبة المراحل الدراسية قبل الجامعة المعلومات التي توازي حجم الكويت في سوق النفط العالمية، وينحصر التجاوب المطلوب في كلية الهندسة والبترول فقط، وكأن القطاع النفطي لا يحتاج إلى جيش من التخصصات الموجهة لخدمته وتطويره.
القطاع النفطي القائد للاقتصاد، يحتاج إلى «كويتيين» يجيدون لغات الدول التي تستهلك معظم إنتاجها، ويحتاج إلى من يتقنون تصميم العقود القانونية وكتابتها باللغات الروسية والإيطالية والتركية … إلخ، ويحتاج إلى محاسبين يجيدون عدة لغات ويفهمون لغة التجارة العالمية باحترافية، ويحتاج إلى سياسة ابتعاث جديدة ترفع من مستوى جميع القطاعات والخدمات المساندة التي تتجمع حول القطاع النفطي، ويحتاج إلى معهد علمي تكنولوجي يستثمر المورد الناضب في خلق منتجات وصناعات تحويلية تضاعف أرباحنا وتترفق بأحوال البيئة.
أعلم بوجود تعليق متحمس سيقول كل ما سبق موجود وجوابي نعم موجود، ولكن غير موجه لخدمة القطاع النفطي، والموجود هو «حقل تجارب» وفوائض في تخصصات لا توجد حاجة فعلية لها.
في الختام نقول إن تحديد الأهداف التعليمية ووضوح الرؤية للشكل الاقتصادي أهم خطوتين في العملية التعليمية، ماذا نريد؟ هكذا يكون. وغير ذلك فلن نحصد غير الكوارث المتواصلة في الأجيال الحالية والقادمة.