قبل عشر سنوات، تحديدا قبل أن يتاح لكل فرد أن يكون وسيلة إعلامية بحد ذاته كان المجتمع الكويتي لا سيما شبابه وشاباته شبه غائبين عن الساحة العامة.
فالمتنفس الأساسي لهم كان الانتخابات الطلابية سواء في الجامعة أو التطبيقي وبعض مجالات البروز الأخرى في الساحة العامة كالرياضة أو الفنون، وبعد أن يتخرج هؤلاء الشباب من الجامعة كان السبيل الأساسي للمشاركة في الشأن العام لهم أيضا هو خوض المجال السياسي أو التطوعي، فإما الانضمام إلى التيارات السياسية أو الانخراط في الأعمال التطوعية كـ»الهلال الأحمر» أو غيرها من جمعيات النفع العام.
وأذكر جيدا كيف أني كنت أحاول تشجيع الزملاء والزميلات ممن شاركوا معي في العمل الطلابي بأن ينضووا تحت ألوية التيارات السياسية أو الأعمال التطوعية بعد التخرج من الجامعة كي تكون لهم إسهاماتهم المؤثرة في الشأن العام والمساهمة في تغيير الوضع القائم إلى الأفضل، فكان ينضم منهم نفر قليل جدا، في حين يفضل البقية أن ينشغلوا بحياتهم الخاصة وتفاصيلها من وظيفة وزواج، أو الانضواء في دائرة صغيرة من الأصدقاء يجتمعون في مقهى أو ديوان، بدلا من صداع العمل السياسي وبطء أي تحسن فعلي في كثير من الأحيان بل عدم وجوده.
وأقر اليوم بأني كنت مخطئا عندما اعتقدت أن أساس الإصلاح ينطلق من الجانب السياسي، فعلى الرغم من كون الإصلاح السياسي يعد رافدا مهما من روافد التغيير فإن قناعتي اليوم بأن الإصلاح الاجتماعي هو أساس التغيير للأفضل، وما السياسة إلا عنصر يساهم في التغيير الاجتماعي فحسب.
لقد أقدمت الحكومة منذ عقود بمعية التيارات الدينية طبعا على محاولة قتل كل حركة اجتماعية فاعلة في مهدها لأني أظن أن الحكومة والتيارات الدينية كانوا يعلمون علم اليقين أنه متى ما كان المجتمع حيا وفعالا في شتى المجالات: فنون، ثقافة، رياضة، وغيرها، فإنه سيكون من الصعب جدا أن تتم السيطرة عليه، وبالفعل تمكنت الدولة بمؤسساتها وحلفائها من قتل كل حركة اجتماعية مع سبق الإصرار والترصد، وبالإمكان استيعاب هذا الأمر من خلال الوضع الرياضي والفني والثقافي، فما الذي يمنع دولة تملك المليارات من الفوائض من الصرف على كل تلك المجالات خصوصا أنها مجالات واعدة، وتم تحقيق الكثير من المكاسب على الصعيد الدولي فيها سابقا؟
اليوم ورغماً عن الدولة نشهد صحوة اجتماعية قد يسخّفها البعض أو ينتقص منها، ويشكو من انحدار مستواها، تتمثل بأن المجتمع بات يتحرك بعد ركود قسري فرضته عرقلة الدولة لأي نشاط، هذه الصحوة تتمثل اليوم بمحاولات الأفراد وتحديدا الفئة الشابة من البروز والمساهمة في الشأن العام من خلال مسميات ومجالات تتيح التواصل المباشر واليومي بينها وبين الناس، فهذه فاشينستا، وهذا كوميديان، وذاك مغن، وتلك خبيرة مكياج، يتفاعل معهم عبر وسائل التواصل الآلاف يوميا، وسيفرز الغث من السمين في وقت قريب ليصبح هؤلاء ممن لا يحتاجون من الدولة أي شيء في سبيل إيصال أفكارهم قادة تغير اجتماعي وشيك سيسهم حتما في إحياء المجتمع ونهوضه.
قد يستسخف البعض ما يقوم به الكثير من هؤلاء الشباب، وقد أكون أنا ممن يستسخفون الكثير من أعمالهم لكني على يقين بأن هذه الصحوة الاجتماعية والانخراط في المجتمع سيخلقان معايير جديدة، ويصلحان نفسيهما بنفسيهما ولن يكون أمام الدولة حينها سوى الرضوخ لتلك الصحوة رغما عنها.
ضمن نطاق التغطية:
قبل عشر سنوات كانت الأسماء المستعارة تطغى على وسائل التواصل الإلكتروني المحدودة حينها، فكان هناك «فراولة والمحارب وفوشية والحساس» اليوم نجد الغالبية تفصح عن أسمائها وتضع صورها في علامة واضحة على تلاشي الخوف من الإعلان عن الذات السائد سابقا، وأيضا قبل عشر سنوات كان الحراك الفني محصوراً بمهرجان القرين و»هلا فبراير» وتسيطر عليهما الدولة، ليصبح هذا الحراك شبه يومي اليوم وبتنظيم أفراد لا علاقة لهم بمؤسسات الدولة، هذه الأمور وغيرها ما هي إلا مؤشرات جيدة لإحياء المجتمع وبنائه من جديد.