المطلوب تقنين قواعد قانونية عامة مجردة ومحددة تنظم هبات وتوزيعات الحكومة ومؤسساتها للمواطنين، كي لا يتكرر ما حدث في موضوع هبة قسائم الديوان الأميري لعدد من المواطنين قد تكون لهم علاقة قرابة أسرية مع عاملين في الديوان، كما يظهر من الأسماء التي نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي.
ما أعرفه أن المسؤولين في الديوان لهم سلطة تقديرية تخولهم منح مثل تلك الهبات، ومبررها التاريخي أن بعض الأفراد أو الأسر قد تكون لهم ظروفهم الخاصة، كحاجتهم الماسة للسكن، وبسبب “وضعهم الاجتماعي” أو لأي سبب آخر تم تقرير مثل سلطة المنح التقديرية للديوان، منذ زمن طويل.
الآن الظروف لم تعد مثلما كانت، وما كان جائزاً بالأمس لم يعد له مبرر اليوم، فالحكومة تطرح وتفرض “برنامجها التقشفي” على المواطنين والمقيمين من رفع الدعم وزيادة الرسوم على الخدمات، وحتى يكون لها بعض المصداقية في طرحها، لابد من إعمال العدل والمساواة وتحكيم الحياد القانوني المفترض في كل ما تصنعه السلطة، فأي انحياز من قبلها لجماعة أو فئة في عطاء ما سيخلق الغصة في نفوس أغلبية المواطنين الذين يطلب منهم، في هذا الوقت، تقبل الكثير من التضحيات من ارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة رسوم مختلف الخدمات.
العدل والمساواة في الفرص تحت حكم التجرد القانوني لمؤسسات الدولة هو ما يجب أن تمارسه السلطة في مثل الظروف الاقتصادية الصعبة الآن، وهذا ما كان يجب أن يكون منهجها منذ زمن قديم ومنذ لحظة الاستقلال وخلق الجهاز القانوني الإداري للدولة، لكنها لم تفعل في ذلك الوقت، وكرست بدلاً من صرامة وحياد حكم مؤسسة حكم القانون والعدل نهج “من صادها عشى عياله… ومن سبق لبق”، وكانت النتائج الكارثية التي نحصدها اليوم في تكريس الواسطة والمحسوبية والرشا ونهج تقبيل رؤوس كبار المسؤولين لنيل حظوتهم وبركات تسهيل معاملاتهم الخاصة.
كان كل ذلك يتم على حساب المستقبل ومبدأ حياد الدولة في تعاملها مع المواطنين، ويبقى التنبيه بأن الإصرار على ذلك النهج العشائري في إدارة الدولة على حساب حكم المؤسسات القانونية سيكون كارثياً على الوطن، حين يتم تغييب معايير العدل والإنصاف في المعاملة من أجل استرضاءات فئوية معينة، فما كان من الممكن السكوت والتغاضي عنه في وقت مضى لم يعد من المقبول تجرعه اليوم في حاضر تجابه الدولة فيه أخطر التحديات الاقتصادية التي قد تتحول لتحديات أمنية خطيرة إذا لم يتم وضع الأمور في نصابها الصحيح.