هل أدرك «العشرات» من علماء ومفكري الأمة الإسلامية أن الصراعات الطائفية والمذهبية في الدول الإسلامية هي نتاج تآمر بعض القوى الإقليمية والدولية التي استعانت (بمشايخ طين) لتنفيذ مخططهم التدميري؟ وهل جاء هذا الإدراك متأخرًا أم أنه مجرد ظاهرة صوتية في مؤتمر ينعقد وينفضُّ والسلام؟
قبل أيام، اختتم في العاصمة الشيشانية (غروزني) مؤتمر لعلماء المسلمين بحثوا فيه على مدى ثلاثة أيام (من 25 إلى 27 أغسطس/ آب 2016) قضايا في غاية الخطورة وعلى أعلى قائمتها ما يحيط بالأمة الإسلامية من مخاطر وتشويه للدين وربطه بالإرهاب وبتهديد الحياة الآمنة للبشر، لكن هذا المؤتمر، على رغم حضور ما يزيد على 200 من العلماء وأهل الفتوى من مختلف الدول العربية والإسلامية، لقي هجومًا وتشكيكًا وانتقادًا من جانب فريق (مناوئ) ليس من كوكب آخر أو من دولة معادية للإسلام، بل ممن يطلقون على أنفسهم مشايخ وعلماء وطلبة علوم دينية… الهجوم أساسه هو جزء من آلة الصدام والخلاف التي يجب أن تعمل بلا توقف في المجتمع الإسلامي.
سواء كان المشاركون يمثلون الدين، أم الطائفة أم المذهب، فذلك لا يبرر الهجوم والتشكيك، بل ولا يسوغ الشتائم من جانب الشيخ (فلان) أو الدكتور (علان) لأنهما لم يتسلما دعوةً للحضور، حتى أن أحد هؤلاء تحدث في إحدى الفضائيات بكل غضب مدعيًا أن كل من اجتمع في مؤتمر الشيشان إنما هم (متآمرون) على صحيح الإسلام وصحيح العقيدة وصحيح التوحيد! هكذا وأكثر، حتى أنه لم يتورع – حين اشتد به الغضب واحمرت عيناه – من القول: «يلعن أبوكم أيها الإخوة (….) فأنتم ترتكبون خطأً فادحًا!»، أما الخطأ الفادح من وجهة نظره فهو (وجوب العمل الصادق (….) للتنبيه والتحذير والوقوف صفًّا واحدًا في وجه الطوائف والملل والمذاهب الإسلامية (التي لا تتفق معه) في المدرسة الفقهية أو العقائدية! تصوروا؟.
المؤتمر، اتفقنا أو اختلفنا مع التنظيم والمشاركين ومنشأ فكرته، لم يكن ينعقد في الكهوف أو القاعات السوداء، أو في خبايا دهاليز مكاتب الاستخبارات، بل كان شاهرًا ظاهرًا نقلته العديد من الفضائيات ووسائل الإعلام وقناة «اليوتيوب»، وكان لافتًا بالطبع تصدر موضوع التصدي للفكر التكفيري المتشدد ومنهجه المتطرف الذي أولد الجماعات الإرهابية الدموية من رحم المجتمعات الإسلامية، ومع أن تلك النماذج من التطرف هي نتائج بيئات حاضنة ومناهج تعليمية ودينية مغذية، إلا أن المشاركين ربطوا بين تلك النماذج وبين دور بعض القوى الإقليمية والدولية التي تسعى إلى خلق صراعات طائفية ومذهبية في الدول العربية والإسلامية. عبارة (فئران تجارب) كانت ربما هي الأخرى مباغتة! فبيان افتتاح المؤتمر شرح أن «تجمع العلماء في الشيشان سيسهم بشكل جاد في إطفاء الحرائق والحروب اللاإنسانية، التي تتخذ من أجساد العرب والمسلمين وأشلائهم (فئران تجارب) دموية، وتشعلها أنظمة استعمارية جديدة تقدم بين يدي نيرانها نظريات شيطانية مرعبة»، (انتهى الاقتباس)، لكن السؤال هو: «لماذا امتلأت العديد من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية بحملات الهجوم على المؤتمر؟، وكيف اشتعل غضب كل هؤلاء من المؤتمر في ذات الوقت وبذات الأسلوب وعلى أساس ذات الأسباب السخيفة؟».
الجواب جاء أيضًا في سياق العديد من الكلمات وأوراق العمل التي نوقشت في جلسات المؤتمر، وتوقعت مثل هذا الهجوم القادم من اللحى والمنابر التي تحمل الفكر التكفيري والتطرف المتشدد، والتي نجحت في خداع الأمة بما تمتلك من تمويل دولي، لأن تكون غطاءً لتحقيق أغراض سياسية ومكاسب طائفية وأطماعاً توسعية لإذكاء نوازع الفرقة بين المسلمين واشعال الفتن.
الخلاصة المؤسفة هي أن الدواعش وأفكارهم ومنهجهم ليس محصورًا، في مجتمعاتنا، في (الإرهابيين وذوي القابلية للفوز بالجنة والحور العين في أسرع وقت)، بل هو منهج قائم حتى في جامعات ومؤسسات وهيئات رسمية في البلاد الإسلامية، وهي الأقدر على أن (تلعن) بعضها بعضاً وتصارع بعضها بعضًا وتصرع بعضها بعضًا.