حققت الكويت نجاحاً دبلوماسياً ملحوظاً في الساحة الإقليمية حين تم قبولها بالجامعة العربية. عندما حلت أزمة الاستقلال، كانت أول مؤسسة تولد حينذاك هي وزارة الخارجية، فلم تكن للبلد خبرة في المجال الدبلوماسي. كان مستغرباً أن يكلف الشيخ عبدالله السالم جاسم القطامي بتأسيس وزارة الخارجية، ولكن يبدو أن هذا ما كان يميز النظام السياسي الكويتي، المرونة والقابلية للتغيير. لم يكن جاسم القطامي في الدائرة المقربة للنظام، بل كان من أبرز شخصيات المعارضة، وفي فبراير ١٩٥٩ وفي الاحتفال الشهير بثانوية الشويخ، بمرور سنة على الوحدة بين مصر وسورية وإعلان الجمهورية العربية المتحدة، ألقى القطامي خطابه الحاد الشهير، ما أدى إلى رد فعل حاد من السلطة تضمن جملة اعتقالات، وإغلاق الصحف والأندية وإيقاف الأنشطة العامة. لم تكن هذه النقطة الإشكالية الوحيدة في تاريخ جاسم القطامي مع السلطة، فقد كان الرجل مديراً للشرطة في بداية الخمسينيات، ورفع شعار “الشرطة في خدمة الشعب”، إلا أنه تقدم باستقالة مكتوبة سنة ١٩٥٦ لرئيس جهاز الشرطة حينذاك الشيخ صباح السالم، احتجاجاً على الأوامر بقمع المظاهرات التي هبت في الكويت تضامناً مع مصر بسبب العدوان الثلاثي، قال لي ذات مرة: “كيف أقول الشرطة في خدمة الشعب ويطلبون مني أضرب الشعب، مايصير”. إذا، لم يكن تاريخ الرجل أو حركة القوميين العرب التي يمثلها، تتمتع بعلاقة تستدعي تكليفه بهذه المهمة الحرجة في هذا الوقت الحرج، ولكن هكذا كان، والتقى الشيخ عبدالله السالم بجاسم القطامي ورفيق دربه د. أحمد الخطيب، وطلب منهما التعاون، انطلاقاً إلى حزمة إصلاحية وانفتاحية متكاملة. وعندما عرض على القطامي منصب وكيل وزارة الخارجية، إدراكاً منه لما لحركة القوميين العرب من تأثير وانتشار على المستوى العربي وعلى الأخص علاقتهم مع جمال عبدالناصر. بالطبع لم ينظر الرجلان للماضي القريب، بل للمستقبل وللصالح العام. بالنسبة لجاسم القطامي وافق على ما اعتبره مهمة وطنية، إلا أنه اشترط ألا يبقى في المنصب الرسمي طويلاً، وأن يتم إعفاؤه من المنصب لرغبته في الترشح لانتخابات مجلس الأمة، وهكذا كان. أما بالنسبة للدكتور الخطيب فقد خاض انتخابات المجلس التأسيسي، ليصبح نائباً للرئيس في المؤسسة الأكثر احتراماً، حيث أنجبت الدستور. حكاية الاستقلال تنوعت وعبرت عن تكاتف ومشاركة إمكانات متباينة في الرؤى، ومتحدة في الهدف، كما سنرى.