لم تكن الكويت حتى إعلان الاستقلال تدير شؤونها الخارجية، بل كانت بيد بريطانيا حسب الاتفاقية. لم يمنع ذلك الكويت من إقامة علاقات مع كيانات ومنظمات ودول في المنطقة، ولكنها لم تأخذ شكل التنظيم الدبلوماسي.
التعامل مع الأزمة حينها كان يتطلب جهداً دبلوماسياً فائقاً في التواصل مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، وعلى الأخص الجامعة العربية والأمم المتحدة.
شهدت كل من المنظمتين مماحكات وصولات وجولات، كانت الجامعة العربية الأقرب تحقيقاً للهدف حيث تم حسمها في ٢٠ يوليو، أي بعد شهر تقريباً من الاستقلال بقبول العضوية فيها، حين تمت دعوة عبدالعزيز حسين ليلقي كلمته كممثل للكويت. أما الأمم المتحدة فقد كانت المعركة فيها أشد قسوة وضراوة، حيث تم رفض الطلب الكويتي للانضمام مرتين بسبب فيتو الاتحاد السوفياتي، ولم تدخل الكويت في عضوية الأمم المتحدة إلا بعد انقلاب آخر جرى في العراق سنة ١٩٦٣، ومن ثم تطبيع العلاقات بين العراق والكويت.
هناك حاجة للمقارنة بين السلوك السياسي الكويتي خلال أزمة الاستقلال وبين السلوك ذاته خلال أزمة احتلال الكويت وما سبقها من إرهاصات. بالطبع الحالة غير الحالة، ولكن المقارنة مفيدة للمستقبل.
* انقلاب تركيا الفاشل
حالة القلق والتوتر التي كانت تسود الأجواء السياسية في تركيا كانت تنبئ بأمر ما قادم، كان الانقلاب آخرها. تلك هي الخلاصة التي استنتجتها من الحلقة النقاشية التي عقدت هناك وشارك فيها عدد من الأكاديميين والسياسيين الأتراك جلهم من كوادر حزب العدالة والتنمية.
الانقلاب لم يكن خياراً جدياً، ولكن الانقلابات جزء من الثقافة السائدة للتاريخ السياسي الحديث. حالة القلق تلك والإحساس بها عبر عنها سياسيون أتراك بالحاجة إلى تغيير سياسي داخل الحزب، وإعادة النظر في التصرفات غير المحسوبة في السياسة الإقليمية. أحد الفاعلين في حزب العدالة والتنمية أكد للحضور أن تغييرات قادمة ستحدث قريباً على الساحة الإقليمية، وهذا ما حدث على الجبهتين السورية والإسرائيلية، وهناك غيرها قادم. ماذا عن الإصلاحات الداخلية، وهل سيستمر الاندفاع في سياسة الاستئثار بالسلطة وتقليص الحريات؟ جاءت الإجابة بأنها حالة صراعية داخل الحزب، فإن أردنا البقاء فلابد من الانفتاح. ذلك ما كان يجري على الساحة التركية، وزاد الأمور تعقيداً الأعمال الإرهابية العنيفة الأخيرة كمطار أتاتورك. حالة القلق تلك لم يكن الجيش بعيداً عنها، فتصرف أو تصرفت قطاعات منه بما هو معروف في الثقافة السياسية التركية، الانقلاب، إلا أن نمواً وتطوراً مهماً بدا أنه ينمو في الثقافة المجتمعية التركية، لم يعد يقبل ثقافة الانقلابات، وفي ظني أنه حتى لو نجح الانقلابيون في الإضرار أو اعتقال إردوغان لم يكن الانقلاب لينجح. الانقلابات عموماً فأل سيئ ومضرة بالعملية السياسية ومعوقة للاستقرار. التفاف الشعب التركي بكل قواه السياسية من ديار بكر إلى مرمرة حول الديمقراطية والدستور مؤشرات محفزة لنضوج النمط التركي، مما يجعل الحاجة إلى التغيير نحو المزيد من الديمقراطية ماسة وضرورية، كما أفادنا أحد قياديي حزب العدالة والتنمية. المنطقة بحاجة إلى تركيا ديمقراطية مستقرة ومتوازنة، بغض النظر عمن يقودها، وليست بحاجة إلى حكم عسكري تقليدي يدمر أكثر مما يعمر.