جاء “الزعيم الأوحد” عبدالكريم قاسم لحكم العراق في ١٩٥٨ عبر انقلاب دموي، أسقط فيه الحكم الملكي. وظل في الحكم حتى أطاح به انقلاب آخر سنة ١٩٦٣، وأعدم رمياً بالرصاص، ونشرت صورته مقتولاً، فكان الانقلابيون أشد قسوة من قسوته، أو كما قيل في المثل رحم الله الحجاج عن ابنه. أحد شخصيات انقلاب ١٩٦٣ كان عبدالسلام عارف، كان هو من أطلق عبارة “لا زعيم إلا كريم وهذا حدنا وياكم” الشهيرة. اشتهر قاسم بألقابه الكثيرة، مثل “الغضنفر” و”أبودعير” و”الزعيم العبقري” و”الأسد الهصور” و”الرجل الرجل” و”المعلم الأول”، وألفوا فيه الأغاني مثل “عبدالكريم كل القلوب تهواك” و”أرواح الشعب فدوى لابن قاسم”. كما قيل إن صورته ظهرت على وجه القمر، كما أكد البعض أنهم رأوا صورته على بيضة دجاجة.
في المقابل، جاء عبدالله السالم للحكم في بداية يناير ١٩٥٠ دون عنف، بل بسلاسة ملحوظة. كان الحاكم أحمد الجابر قد تعرض لذبحتين صدريتين سنة ١٩٤٩، عولج من إحداهما في مستشفى مصفاة عبادان، حتى وافته المنية أخيراً في آخر يناير ١٩٥٠. وعلى الرغم من تقارير بريطانية تشير إلى احتمالية حدوث صدام داخلي على الحكم، إلا أنه اتضح أن تلك التقارير غير صحيحة وصار عبدالله السالم أميراً بلا منافس. كان عبدالله في عمان عند وفاة الشيخ أحمد، للتفاوض حول شحنة ذهب. فما إن وصله خبر الوفاة، حتى عاد مسرعاً بالباخرة دواركا، واستقبله الشيوخ معلنين إمارته على البلاد. ومع أن الإنجليز كان لهم رأي آخر، غير مرحب بعبدالله، إلا أنهم رضخوا آخر الأمر، وشاركوا في عيد الجلوس في ٢٥ فبراير ١٩٥٠. كان عبدالله مرشحاً بل طامحاً للحكم منذ وفاة والده الشيخ سالم في بدايات ١٩٢١، إلا أن الأمور مالت لصالح أحمد الجابر الذي استمر في الحكم حوالي ٢٩ عاماً، فعاش عبدالله حقبة تشبه التأمل، فسافر كثيراً للهند وغيرها، وربما أدى ذلك إلى سعة أفقه واستيعاب أفضل لحركة السياسة وبناء الدولة.
الشخصيتان المحوريتان في أزمة الاستقلال كانتا عبدالله وكريم، لذا كانت تداعيات الأزمة ومآلاتها تحمل في طياتها التكوين الشخصي لكل منهما، بأبعادها الثلاثية.
انقلاب قاسم كان خبراً جيداً بالنسبة لعبدالله السالم، الذي كان حينها يعاني من ضغوطات حكومة نوري السعيد، لضم الكويت قسراً إلى الاتحاد الهاشمي العربي. ولذا كان عبدالله السالم من أوائل مهنئي قاسم بانقلابه.
تطورت بين الرجلين علاقة جيدة من حيث الظاهر، مكتنزة بالمجاملات. فما إن أعلنت الكويت استقلالها في ١٩ يونيو ١٩٦١، حتى توارت المجاملات من جانب قاسم، وتحولت إلى هجوم شرس، لدرجة الوقاحة. في المقابل وجه عبدالله السالم عدداً من الصحافيين بألا ينحدروا لذلك المستوى، حسب رواية الصديق محمد مساعد الصالح رحمه الله.
بين “لا زعيم إلا كريم” و”يابوسالم عطنا سلاح”، تحولت الشخصيتان إلى رمزين للصراع كما سيتضح.