يفترض بأي تشريع “عقلاً” أن يحقق المصلحة العامة للدولة، أي يحقق منفعة مادية “اقتصادية” أو معنوية للمجتمع، فكل تشريع (مرة ثانية مفروض) عادة يأتي لتحقيق هذا الغرض، فإذا جاء تشريع ما مفصلاً على مقاس شخص أو فئة ما وأريد به تحقيق منفعتهم الخاصة، فهنا نجد أمامنا ما يسمى بالانحراف التشريعي، بكلام آخر، إذا أصبح التشريع مجرد أداة ووسيلة كي يحقق بها مجموعة أفراد مصالحهم على حساب المصلحة العامة، بمعنى أن الجماعة التي أوكل لها وفوضت للقيام بالتشريع تخلت عن الهدف العام “المصلحة العامة” وانهمكت بتحقيق أهدافها ومنافعها الخاصة، مستغلة كراسي التشريع، فهذا يمكن عده تلاعباً تشريعياً وتخلياً عن واجب تمثيل الأمة ومصالحها.
السؤال الآن: أين هي المصلحة العامة، حين سن مشرعو مجلس “الغم” الكويتي تشريعاً يقول بالعبارة الصريحة: أنت يا مسلم البراك وأنت يا جمعان الحربش، ومعكم من “صدرت” أو ستصدر ضدهم أحكام نهائية بالإساءة للذات الإلهية أو الأميرية، ليس لكم “الحق” في الترشح أو الانتخاب لمجلس الأمة إلى الأبد وحتى يتوفاكم الله…؟! وبمحض المصادفة أو التدبير السابق يخضع للحكم السابق محمد الصقر، وهو قد مثل الأمة عدة سنوات، وجلس على كرسي النيابة، وساهم في التشريع لعدة قوانين، وكان قبلها بسنوات قد صدر عليه حكم جزائي يدخل في عداد المساس بالذات الإلهية بمصادفة تعليق بسيط كتب بحسن نية لمحرر في جريدة القبس، وكان الصقر حينها رئيساً للتحرير، وبالتالي يعد مسؤولاً عن أي هفوة أو زلة كتابية بتلك الجريدة…
هل هذا معقول الآن، أن يتخلى البرلمان عن أهداف التشريع، ويلبس زي “الترزي”، ويفصل القوانين تحقيقاً لمصالح فرد وأفراد يرون أن مسلم البراك والحربش ومن معهما يمثلون خطراً داهماً لوجودهم المستقبلي في المجلس ويهددون مصالحهم “الخاصة” في البقاء بالمجلس وضمان امتيازاتهم الذاتية به حتى النهاية؟… أين هي المصلحة العامة في مثل ذلك التشريع؟ وهل ضرب مسلم البراك ورفاقه، وبالمصادفة “الجميلة” قتل أي احتمال لمشاركة الصقر في الانتخابات القادمة، يعد تحقيقاً للمصلحة العامة؟ وما أجمل أن تضرب عصفورين بحجر واحد، أي حجر التشريع الأهوج.
الجريمة بحق الوطن ومستقبله الآن وبكل مرة هي ممارسة التمويه التشريعي بسوء نية، ويتم التستر على هذا الانحراف بعبارة المصلحة العامة! في كل مرة أسمع مثل هذا الخطاب السلطوي الساذج المتكرر لحد السأم عن “المصلحة العامة” أتأكد يقيناً أن الجماعة سيخنقون ما تبقى من حرياتنا، وستحكم قبضة الاستبداد مهما تغيرت ألوان القفازات في يد المستبد.