الكل يجمع على أن وسائل التواصل الاجتماعي كشفت الانحدار الأخلاقي المخيف في مجتمعنا، لدرجة جعلت من هذا الانحدار مادة تناولها سمو الأمير في كلمته السنوية بمناسبة العشر الأواخر من رمضان.
فنجد من يتداول صورا بشعة لحوادث وفاة سعيا للشهرة والانتشار دون أي مراعاة لمشاعر ذوي الفقيد وأهله، وآخر يكذب ويتداول الإشاعات، وثالث يهنئ بمقتل فرد أو مجموعة تخالفه الرأي أو المعتقد، ورابع يتحول لما يشبه القرد بالسيرك، وخامس يبحث عن فتنة، وسادس لا همّ له سوى التكفير، وسابع… تطول القائمة، والهدف تقريبا واحد هو لفت الأنظار.
والسؤال الفعلي: هل تسببت وسائل التواصل في الانحدار أم أنها أدت دور الكاشف لما كان مستورا على مر السنين؟ فكان الانحدار مقتصرا على محيط صغير لا يتسع إلا لأضيق الحدود، وكانت وسائل الإعلام محدودة على خمس صحف فيها عدد محدود من الكتّاب لا يتجاوز الخمسين أو الستين كاتباً فقط، يراعون في الغالب الذوق والأدب في كتاباتهم وإن اختلفت آراؤهم.
وكانت الشخصيات المشهورة مقتصرة على لاعب وفنان وسياسي وأديب، حتى هؤلاء كان بينهم وبين جماهيرهم حاجز يصعب فيه التواصل العام معهم إلا بأمسيات ومباريات وندوات يظهر فيها هؤلاء المشاهير بالشكل الذي يريدون تقديمه للجمهور في فترة زمنية معينة وتنتهي المسألة.
بالطبع إني أميل إلى فكرة أن وسائل التواصل لم تسبب الانحدار بل كشفته فقط، وهذا الانحدار كان كامنا ينتظر من يطلق له العنان ليكشف لنا ما جنته أيدينا كدولة على مر السنين، فنحن من تعمدنا إغفال الثقافة والتغاضي عن قلة الأدب ونشر الفساد ومسامحة المتجاوز من أقاربنا والمحيطين بنا، والتستر على الأفكار النتنة في أوساطنا، لتتكشف كل تلك الأمور وأكثر بمجرد إتاحة الفرصة لكل فرد مهما قلّ أو علا شأنه من أن يكون وسيلة إعلامية بحد ذاته، كل ما يحتاجه هو الإنترنت المتوافر في كل مكان، وهاتف صغير ينشر عبره ما يشاء وكيفما شاء.
إن كلمات الحسرة على هذا الانحدار والأسف على ما وصلنا إليه لن تحدّ من هذا التردي أو تردعه، بل هي كلمات ستمحى بمجرد الانتهاء من قراءتها أو الاستماع إليها، فالمشكلة الحقيقية لن يحلها مقال أو ندوة أو مشهد مصور، بل هي مرض منتشر يبدأ في مدارسنا، في مؤسساتنا الحكومية، على شاشتنا التلفزيونية، عبر صحفنا اليومية، والعلاج يكون هناك، وإلا لا فائدة مهما كررنا من أقوال وكتابات.
خارج نطاق التغطية:
قرر البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي باستفتاء عام، والسؤال الافتراضي هنا ماذا لو قمنا باستفتاء بالكويت يطالب بنبذ أو إقصاء فئة، فطرحنا على الحضر استفتاء بإقصاء أبناء القبائل وطرحنا على التيارات الدينية إقصاء المذهب الآخر، وعلى أبناء القبائل إقصاء الطبقة التجارية، فما النتيجة؟ جوابكم المرعب هو دليل الانحدار.