القرارات المصيرية لا يجوز أن تكون في مهب العجلة والارتجال، حتى ولو كانت تعبّر عن حالة مؤلمة مرت بها الدولة، فمستقبل الأمم والدول لا يجوز أن تحكمه ردة الفعل الآنية التي تتعامل مع ظاهر الأمور من دون تلمّس أعماقها وأبعادها، وينبغي ألا نخضع المؤسسات والأدوات الديموقراطية بصورة متعجلة لاتخاذ قرارات مصيرية، لها إسقاطاتها السياسية والاجتماعية والدستورية، فإذا كانت دولة مثل بريطانيا قد أدركت بعد استفتاء، مشاركته كبيرة، وانتهى بأغلبية %51.5 مقابل %48.5، لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أن ذلك قرار متعجل، ووقع 3 ملايين شخص تقريباً طلباً لإعادة النظر في إجراء استفتاء من جديد، بعدما أدركوا خطورة ما اتخذوه من قرار، وهو تفكير مسؤول وصائب.
فإن القانون الذي أقره مجلس الأمة بتعديل القانون رقم 35 لسنة 1962 بحرمان فئة من المواطنين من حقهم السياسي، انتخاباً وترشيحاً، إذا تمت إدانتهم بجرائم المساس بالذات الإلهية وبالأنبياء وبالذات الأميرية، انما ينطوي على تعدٍّ على احكام الدستور لتضمنه أثراً رجعياً، بإضافة عقوبة تبعية تطبق مباشرة على كل من أدين، كما أنه صورة للانحراف التشريعي الذي يصرف القانون عن مقاصده النبيلة؛ ليكون مُصادِراً ومُقلِّصاً للحقوق، وليأتي مستهدفاً الناس الذين تنظر المحاكم قضاياهم، مما يعني تطبيقه عليهم، مع ما يعنيه ذلك حتماً من تضييق الحريات السياسية التي سعى الدستور الى توسعتها بالبحبوحة السياسية التي عبّرت عنها ديباجة الدستور، خصوصا أن فيه إقصاء وعزلاً سياسياً وبانتقائية غير مقبولة، فضلاً عن تعميق الهوة السياسية والشرخ الاجتماعي الذي سيفضي اليه هذا القانون؛ فهو قانون يفرّق ولا يجمّع.
ونتمنى من سمو الأمير بحكمته وبعد نظره، تجنيب الدولة والأمة الآثار السلبية لهذا القانون في أجواء مفعمة ببركات نفحات رمضان الإيمانية – إن رأى سموه ذلك – أن يبادر بما به من اختصاصات دستورية الى عدم المصادقة على هذا القانون، ولرده حماية للدولة وتماسكا مع شعبه، في مرحلةٍ البلد في أمس الحاجة الى هذه اللفتة الأبوية الحكيمة، التي تعزز لحمة الشعب وتقوّي أواصره وتعجّل إعادة الأمور الى نصابها، خصوصا في ظل نظام انتخابي (الصوت الواحد) مضاره أكثر من منافعه، ومساوئه نفس مساوئ القوانين السابقة عليه، ولعله تتجلى هنا أحد مبررات منح سمو الأمير سلطة المصادقة والتعقيب على القوانين قبل إصدارها، كما جسّدتها المواد 65 و66 و76 من الدستور، في ظل نظام دستوري ديموقراطي متوازن، قصد أن يبقى سمو الأمير أباً لمواطنيه.