يظن بعض الناس أن الحب شيء مكتسب، لذا فهم يتنكبون الطريق في محاولتهم إيجاد الحب في حياتهم، لكونهم يجهدون أنفسهم بمسار خاطئ يرهقهم ويكبدهم الخسائر ويزيد آلامهم، لأنهم يهرولون وراء سراب لا وجود له، فالحب ليس مخلوقا أو كيانا أو شيئا خارجيا حتى يتم البحث عنه في أماكن أخرى ولدى الآخرين. فالحب مكمنه نفوسنا مستقر فيها يتولد من خلالها فيتوارى بين أضلاعنا، وقد نداريه أحيانا بينها، اخفاء أو حياء أو خوفا أو مكابرة أو عنادا، لكن تخفق به قلوبنا ونسمعه في كل حواسنا التي تتفاعل بدورها معه، فهو مستقر داخلنا نحن من يظهره ويرعاه ويعيشه، وإن أدركنا كيفية إظهاره حققنا غايته وطيب أثره لذا فنحن الحب، أي أننا من ينبغي أن ينبع منا ولذا فانه بقدر حرصنا على حسن إظهاره، فإن ذلك هو ما يحدد طبيعته من القوة أو الضعف، الكمال أو النقص، النجاح أو الإخفاق الصدق أو التمثيل، سيطرتنا عليه أو سيطرته علينا، فإخضاعه لتحكم العقل ينهيه، وإفلاته من العقل يجعله جارفا وربما متهورا.
أما الوجه الآخر للحب فهو في كيف ندرك أن الحب نحن، وهو يتحقق حين نتواصل فيما هو كامن منه بداخلنا مع الآخرين، فينعكس بأنواع مختلفة من الحب مثل حب الرسول وحب الأبوين وحب الأبناء وحب الزوجين وحب الأخوة والحب للحبيب وحب الناس وقس على ذلك، لذا فالحب يصبح نحن إذا عرفنا قيمته وجعلناه يخرج من مكمنه ومن بين جنباتنا ونبض قلوبنا، كي يصل للآخرين، وهو يأتي بمظاهر وسلوكيات ومواقف متباينة لكن قاسمها المشترك أن ينال الشخص موضعا في قلوب الآخرين ويفسح لمن يختاره منهم أن يكون له موضع في قلبه، ويبدو للبعض ظاهريا أن الحب سلوك إرادي والحقيقة أنه ليس كذلك، إلا ما كان مجاملة او تعابير أولية قد تؤدي الى تحققه، فهو حالة انفعالية للمشاعر دون تحكم أو ترتيب موجه ومسبق فيتولد عنها ما يسمى بالحب، لذا فالحب لو كان اراديا لكان بضاعة تشترى وتباع ومن هنا تصدق المقولة المعروفة كل شيء يمكن أن تشتريه إلا محبة الناس.
من هنا ندرك أنه يمكن أن يتسلل حب الإنسان لقلب الآخر خلسة اثر مجرد رؤية عابرة أو تعامل محدد، أو تعارف وتبادل للإعجاب أو إثر عشرة زمنية، لكن اليقين هو أن كل المظاهر السلوكية مثل التواجد الملح بحياة الإنسان وتبادل المجاملة والهدايا والملاحقة والتصنع وكذلك العشرة المجردة لا تؤدي حتما الى حدوث الحب، لأنه فعلا يخرج عن مجال التأثير الإرادي ويتولد عن حالة انفعال لا إرادية، ومن هنا ندرك معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك»، ومراده حبه لأم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها من بين زوجاته.
ولا يمكن أن نجسد الحب نحن إلا إن كان إدراكنا واضحا أن الآخر يشعر بالحب وهو ما يفضي الى ظهور حالة التبادلية في الحب، فالحب من طرف واحد مآله الزوال، وإشعار الطرف الآخر بالحب يرتقي به، ويبقى الإقرار بأن للحب اساسيات ومقدمات ودرجات وأنواع ادراكها والتطرق اليها قد يتاح لنا في فرص لاحقة.