يكثر الحديث مؤخراً عن إهداء مشروع الشدادية الجامعي إلى القطاع الخاص، في سياق النهب المنظم لثروات البلد ثم مؤسساته الوطنية ومرافقه العامة وربما يصل الأمر إلى الهواء الذي يستنشقه الكويتيون!
جامعة صباح السالم هي حلم الكويت التعليمي منذ عام 1966 عندما افتتح المرحوم الشيخ صباح السالم أمير الكويت جامعة الكويت في مبان مؤقتة، إلا أن هذا الصرح الأكاديمي تصدر العالم العربي كأيقونة أكاديمية واكبت عصر النهضة الكويتية على جميع الصعد، وبدأ الحلم الكويتي كأساتذة وطلبة وشعب بأن تتحول هذه الجامعة يوماً ما إلى مدينة متكاملة تواصل العطاء العلمي، ومع تلكؤ الحكومة لمدة نصف قرن، جاء قانون الشدادية كمقترح نيابي ليحوّل هذا الحلم إلى حقيقة، فانطلقت مسيرة البناء التي لم تسلم من العراقيل وزيادة الكلفة المالية التي بلغت 4 مليار دينار ناهيك عن الحرائق المتكررة في الإنشاءات، ولكن الإصرار والتحدي لإنجاز هذا المشروع بقي صامداً، ومع العد التنازلي لانتهاء المشروع بدأ اللعاب يسيل لبلع هذه التحفة الوطنية ونسف كل الطموحات والآمال المعقودة على أن تكون لدولة الكويت جامعتها الوطنية اليتيمة وفق متطلبات المدن الجامعية المحترمة في العالم.
أسئلة خطيرة تحوم حول هذا الطمع الجديد، منها إلغاء الهوية عن جامعة صباح السالم الجديدة، وكذلك تفريغ جامعة الكويت الحالية من أساتذتها بحجة انتقالهم إلى القطاع الخاص! السؤال الثاني يحوم حول إيجاد مخرج لأصحاب الشهادات الوهمية والمضروبة والمزورة لضمهم إلى صرح شامخ جديد كنوع من مكافأة الغشاشين ولصوص الشهادات، لأن البعض من حملة هذه الشهادات المزيفة لهم حظوة عند كبار المسؤولين في الدولة.
السؤال الأخطر لماذا يسلم مشروع تاريخي بهذه القيمة الخيالية التي تزيد على 15 مليار دولار ببساطة وبدم بارد إلى بعض التجار ممن لا ناقة لهم ولا جمل في مجال التربية والتعليم العالي؟! الجواب في رأيي يتمثل بالجرأة المتزامنة مع انهيار مفهوم الدولة ومؤسساتها والاستسلام للواقع المرير دون أن تكون للحكومة مجرد رؤية مستقبلية للكويت كبلد وللكويتيين كشعب، ورغم التحفظات الكبيرة لمشاريع الخصخصة التي قد لا نحتاج إليها أصلاً بسبب صغر بلدنا وثرواتنا الهائلة، فإن مشاركة القطاع الخاص بمسؤولية في الاقتصاد الوطني قد يسوّق لها على مستوى الخدمات العامة والأعمال الإنشائية وإعادة تولي بعض المرافق الفاشلة بغية إصلاحها، أسوة بالكثير من الفلسفات في الدول الديمقراطية العريقة، ولكن يجب أن تبقى بعض المؤسسات وخاصة التعليم والصحة مرافق حكومية وسيادية تعكس قدرة الدولة على التنمية والتخطيط الاستراتيجي، مثلها مثل المؤسسات الأمنية التي تحفظ الأمن والاستقرار بكل أبعاده.
على من نتكئ لحماية مشروع صباح السالم كجامعة وطنية في دولة الكويت؟ على الحكومة التي لم تعد قادرة على التخطيط المستقبلي، أم التي لا تتعدى رؤيتها للأمور طرف أنفها، أم الضائعة في تقرير مصير الدولة؟ أم نعتمد على مجلس الأمة الذي وصل بمستواه من الأداء إلى حد التراشق بالأحذية والنعال وهو يرى أحد قوانينه التي شرعت بإجماع أعضائه الذين يمثلون الشعب في عام 2004 يسرق في وضح النهار؟ أم نعوّل على وزير التربية الذي يبدو أن الجامعة ومستقبلها هي آخر اهتماماته؟ أم نعتمد على إدارة جامعية تعيش في حيص وبيص ولا تزال تنفض غبار ملفات سابقة دون النظر في أي مشروع جديد؟ أملنا الوحيد هم أساتذة الجامعة ووقفتهم الرجولية لمنع هذا الاستهتار بمستقبل صرحهم العلمي والوطني، وكذلك طلبتنا الأعزاء الذين كان حلمهم منذ جلوسهم على مقاعد الابتدائي الالتحاق بجامعة اسمها جامعة الكويت، وذلك بكل الوسائل والإمكانات المتاحة لمنع تحويل جامعتنا لتكون جامعة غير الكويت؟!