بدا المزاج العام في واشنطن مرتاحا ومنفتحا مع شخصية ولي ولي العهد، هو القادم الآن بصورة سعودية مختلفة ومفاتيح جديدة بصفته مهندس “رؤية المملكة 2030” الجريئة، وهي الرؤية التي تحمل في طياتها نهجا اقتصاديا واجتماعيا، الذي لن يترك أثره في الساحة المحلية فحسب، بل يمتد إلى الإقليمية والدولية، على مستوى حكومي، وتضمنت أجندة زيارة الأمير لقاء عدد كبير من السياسيين الكبار من بينهم الرئيس أوباما و كيري وزير الخارجية و برينان رئيس الاستخبارات المركزية CIA، وكارتر وزير الدفاع، و كلابر مدير الاستخبارات الوطنية DNI، وجاكوب لو وزير الخزانة، و بريتزكر وزير التجارة، و رايان زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، ونانسي بلوسي زعيمة الأقلية الديمقراطية في المجلس نفسه، وغيرهم. ولا شك أن جدول الزيارة يدل على مدى اهتمام الولايات المتحدة بالزيارة، فبعض الزيارات في أجواء عائلية.
نشرت “واشنطن بوست” مادة رئيسة عنوانها “سيظل الترابط السعودي مع الولايات المتحدة مهما تغير ساكن البيت الأبيض”، وهو اقتباس لما قاله وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في مؤتمر صحافي في مقر السفارة السعودية في واشنطن قبل أيام. بالإمكان القول إن زيارة الأمير محمد بن سلمان ووفده رفيع المستوى إلى واشنطن وكاليفورنيا ونيويورك غطت بعض الشيء بعض اللمحات التي استعذبتها الصحافة الأمريكية أخيرا، ولا سيما أن أحداث المجزرة الإرهابية الأخيرة في أورلاندو طازجة، والتي أنعشت من جديد أحداث 11 سبتمبر، يتزامن ذلك وحملات بروباغندا شرسة لتحميل السعودية مسؤولية الإرهاب وانشغال الإعلام بالـ 28 ورقة في تقرير أيلول (سبتمبر)، وتشويه التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وقد بدت جهود وتمويل مؤسسات العلاقات العامة واضحة منذ تحشيد الإعلام الأول، لحث الكونجرس على القبول بالاتفاقية النووية مع إيران كما حث المجتمع الأمريكي على تقبلها قبل توقيع الاتفاقية وإبانها. وقد يكون هذا الهجوم جزءا من ثمن الاتفاق النووي مع إيران، لتحسين وضع إيران بإبراز صورة معتدلة لها، والتغطية على إرهابها وما تفعله في سورية والعراق ولبنان واليمن.
إذن هذه الزيارة هي للاستثمار الفعلي في علاقات سعودية – أمريكية في مجالات مختلفة؛ إذ بعد أسبوع حافل في واشنطن، توجه محمد بن سلمان إلى كاليفورنيا ــ سان فرانسيسكو لمقابلة كبار المسؤولين في وادي السيليكون، حيث تقطن كبريات شركات التكنولوجيا في العالم، ثم إلى نيويورك، ليقابل كبار المستثمرين في “وول ستريت”. هذه الخطوة هي مفتاح العقلية الأمريكية التي يهمها الاقتصاد والاستثمار، والتأثير المباشر في المجتمع الأمريكي، وبالتالي إصلاح الانطباع عن السعودية في الذهنية الأمريكية ومن ثم الغربية عامة. الاستثمار السعودي الأمريكي سيوجد فرص عمل مليونية في البلدين، واشنطن تستعد لإدارة سياسية جديدة والإدارة الحالية سترغب في أن تغادر دون أن تحمل الإدارة القادمة عبء تركتها، بل تترك الباب مشرعا لأي تغييرات محتملة، والشكل الجديد للعلاقة تشارك السعودية في صوغه ويعبر عن مرحلة مختلفة متجددة من نضج العلاقة بين الطرفين. و«الرؤية السعودية» تقدم فلسفة واقعية ومفصلية في تاريخها المطلق؛ وهي في مضمونها تحدٍّ أمام الذات وأمام صورة النظام الإيراني المنغلق والعدائي في المنطقة.. وهنا الرهان.