نحن الآن نعيش الحرب العالمية الثالثة بصيغة مجزأة منها باردة وناعمة وبالوكالة وصلدة ورقمية وإلكترونية. وفي خضم صراعات الحروب، على الدول أن تعمل بصيغة متناغمة ومنسجمة بين سياساتها الداخلية والخارجية. الولايات المتحدة، مثالا، قوة عسكرية ضاربة بلا منافس، وهي تمثل القوة العالمية الأولى في المجالات اقتصاديا وتكنولوجيا، لكن تفوقها في محاربة الإرهاب مثلا وهي إحدى صيغ حرب الجيل الجديد أقل بكثير، هي التي لطالما تعاملت مع القضايا السياسية بوصفها صراعات تعطي الأولوية فيها للحل العسكري. لذا فقد تنبهت إلى أنه من الأفضل التعامل مع الإرهابيين بوصفهم مجرمين بدلا من أعداء، مع إيجاد استراتيجية لإبعادهم عن حلفائهم المحتملين بدلا من سياسة من ليس معنا فهو ضدنا. والإرهاب المؤسلم في العالم يأخذ صيغة طائفية مختلفة في العالم العربي، والطوائف والمذاهب المعسكرة فيه تشي بمستقبل قاتم من التجييش الدموي بدءا من الشكل الراهن. فالجماعات الإرهابية أمثال داعش وجبهة النصرة وغيرهما، تؤطر نفسها في فضاء سني يقابلها فضاء شيعي منافس يرتبط بأماكن جغرافية تاريخية على امتداد العراق وسورية ولبنان. ويبقى التمويل تحديا كبيرا للجماعات، ما يدفعها إلى تجارة المخدرات كحزب الله وجماعات أفغانستان.
هل العالم بات سوقا مشتعلة مترامية لشركات السلاح؟. ربما لا يتوقف الأمر عند الأسلحة الثقيلة كالطائرات والدبابات والصواريخ، بل الأسلحة الخفيفة، فهناك مئات الملايين من قطع السلاح الخفيفة التي يتاجر بها حول العالم. وليس الأمر في حرب السلاح بل الرقمية أيضا، والكتاب الأبيض الذي تصدره وزارة الدفاع الفرنسية، يشير بوضوح للهجمات الرقمية كخطر استراتيجي لأمن فرنسا. لكننا ندخل من زمن الجيوش التقليدية إلى خصخصة الحروب من خلال استئجار جيوش غير مملوكة بالتمويل وهي حروب بالوكالة. ولعل استخدام الطائرات دون طيار في مراقبة أجواء الدول وتطويرها من أجهزة رصد إلى أجهزة قادرة على الهجوم والاغتيالات بعد تزويدها بالصواريخ، هو التحول الأوضح في حروب الجيل الجديد. يضاف إلى ذلك حروب القوة الناعمة، التي تتفاعل مع بنية المجتمعات والأطياف السياسية في آن معا.
وقد ازدادت سعة مجالات الصراع حتى توغلت في الفضاء الإلكتروني، ومن المجالات المادية البرية والبحرية والجوية إلى المجال السياسي. وقد تتداخل هذه الحروب من خلال الاقتصاد بالتأثير في الموارد الاقتصادية والحروب البيولوجية والبيئية؛ عن طريق الجراثيم أو الفيروسات وغيرها لنشر الأوبئة. كما يندرج في إطار حروب الجيل الخامس حرب المخدرات من خلال تعمد إغراق البلد المستهدف بالمخدرات، كذلك الحرب الإلكترونية؛ وهي التي تستهدف تخريب وتهكير المواقع الإلكترونية التابعة للمؤسسات الحكومية والبنى التحتية. كما هو الأمر بالنسبة للحرب المعلوماتية؛ بإثارة الشائعات الممنهجة؛ بهدف إثارة الرأي العام وجره إلى مواجهات مع دوائر صنع القرار السياسي، لإضعاف الدول وإفشالها بكل الطرق. كما قد تأتي من خلال تشكيل تحالفات بين الدول والمستأجرين من غير الدول لشن صراعات متعددة الأبعاد ضد دولة أخرى. ومثال حي على ذلك شبكة الميليشيات التي ترعاها إيران في المنطقة، ومن شبكة متباينة بين الجيوش المحلية الموالية في دول الجوار ومن تنظيمات إرهابية وخلايا نائمة وجواسيس أفراد في دول المنطقة.