بعد تفجيرات 11 سبتمبر الإرهابية في نيويورك، التي نفذتها القاعدة، وأدانها الكثير من الكتاب العرب، باعتبارها من جرائم القتل الجماعي، التي استهدفت قتل أبرياء مدنيين، كان هناك بجانب ذلك الكم الكبير، على ما أذكر، لكتابات الإدانة كتابات موازية تدين الجريمة إلا أنها سرعان ما تستدرك إدانتها بكلمة “لكن” الاستدراكية، وتسهب بعدها بتذكير القراء العرب، وكأن هذا ما ينقصهم في مثل ذلك الظرف الانفعالي، عن تاريخ السياسات الأميركية في المنطقة العربية وتأييدها للنهج الاستعماري الإسرائيلي حين تزود تلك الدولة بالدعم المادي والمعنوي، وإلى آخره… عندها كتب بعض الزملاء، وأذكر منهم د. سعد بن طفلة، رفضهم واستنكارهم لمثل ذلك الطرح الذي يهدم بيده اليمين ما بناه باليسار، أو بالعكس، وأطلق على هؤلاء الذين يمسكون العصا من النصف جماعة أو حزب بن “لاكن” على إيقاع اسم بن لادن.
يتعين مواجهة مثل ذلك الطرح المشوش لحزب بن لاكن، الذي يبرر “لا شعورياً” عمليات الإرهاب والعنف على بشاعتها، فمبدأية الموقف الرافض للعنف والإرهاب، سواء كان إرهاب دولة أو إرهاب جماعات أو أفراد، لا يتحمل تلك الاستدراكات البلاغية، فالإدانة النابعة من مواقف إنسانية مجردة وعامة لا يصح أن تقيد أو “تفسر” أو “تبرر” أي فعل إجرامي موضوعه بشر مدنيون… وبصرف النظر عن المكان الذي حدثت فيه الجريمة.
جريمة مرقص أورلاندو لجماعات “الغيز” (المثليون)، التي نفذها عمر متين مستلهما الممارسة الداعشية الراسخة في الوجدان الشعبي، يمكن أن تخضع للنهج ذاته حين تذكرنا بفريق “بن لاكن”، نجد إدانة في الاستهلال، ثم يصفعنا استدراك “بن لا كني”، يثير مذكراً، كالعادة، بالتاريخ الأميركي لدينا، أو أن الضحايا لا يستحقون أن يلحق بهم وصف “ضحايا” لأنهم “غيز”! أين الجديد في تاريخ السياسة الأميركية للمنطقة، سواء في دعم إسرائيل أو التدخل بالعراق مثلاً، بل نذهب أبعد من ذلك، إلى تاريخ نشأة الولايات المتحدة حين سحق الرجل الأبيض المستعمر أبناء الأرض من الهنود الحمر، ثم توسع تلك الدولة غرباً وحنوباً وبطشها بالمكسيكان، ثم هيمنة تلك الإمبريالية الصاعدة على أميركا اللاتينية… وقلب أنظمة حكمها حين لا تصطف مع المصالح الأميركية…؟ لا جديد في هذا أو غيره من تاريخ إمبريالي طويل ومرير نحو دول العالم الثالث، فهل ما سبق يعد مبرراً (تبرير ملفوف بورق سوليفان خجل فكري) لجرائم مرعبة مثل مرقص أورلاندو؟! أما كان من الأولى أن تنصب “لكن” الاستدراكية على لوبي جماعات السلاح في أميركا التي وقفت ضد كل سياسات منع اقتناء الأسلحة بحجة نص في الدستور الأميركي بتفسير منحرف أرادته تلك الجماعات… وأصبح عندها اقتناء بنادق القتل هناك مثل شراء قطعة الشوكولاتة من بقالة الحارة…؟!
جريمة مرقص أورلاندو ستوفر الدعم الضروري من الطبقة الوسطى عند الأميركان البيض للمرشح ترامب، ونهجه شبه الفاشي ضد المسلمين وغيرهم، مثلما وفرت داعش التي ألهمت عمر متين الدعم الكافي لاستمرار نظام الأسد في البطش بالشعب السوري… بعد ذلك أليس من الأولى أن نتوقف عند ثقافة بن لاكن، ليس في جريمة أورلاندو فقط وإنما في تقييمنا للكثير من جرائم الجنون الإرهابية التي تعصف بمنطقتنا الحزينة؟ فلنكف عن تلمس الأعذار.