ليس معيبا أن يحمل السياسي أفكارا مثالية يؤمن بها ويسعى إلى تحقيقها، ولكن المعيب أن يعتقد السياسي أن الحياة مثالية وأن الناس كلهم خيرون!
في السياسة هناك نظرية تسمى «المثالية»، وهي تؤمن بأن الطبيعة البشرية خيرة، وأنه بالتعاون وليس بالصراع يمكن تحقيق الأهداف.
وعلى العكس منها – النظرية الواقعية والتي تؤمن بأن الإنسان شرير بطبعه يسعى لمزيد من القوة والمصلحة ولذلك تنشأ الصراعات ومن يملك اكبر قدر من القوة هو من يحقق أهدافه!
حتى في الدين الإسلامي هناك ما يسمى فقه الواقع، والذي ييسر حتى في الفرائض (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها..) ـ البقرة: 286.
فما بالك في السياسية الأكثر مرونة من الدين وأقل أهمية منه، فالسياسي الناجح هو من يتعامل مع ما هو «موجود» وليس مع «ما ينبغي» أن يكون.
وبمناسبة الحديث عن الواقعية السياسية، نتذكر القرار الواقعي لتجمع «ثوابت الأمة» الإسلامي بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة بعد مقاطعة استمرت لأكثر من عامين.
وكذلك البيان الواقعي للحركة الإسلامية الدستورية (حدس)، والذي برروا فيه مقاطعتهم للانتخابات السابقة وأعلنوا فيه مشاركتهم بالانتخابات القادمة.
الموقف الأخير لـ«حدس» و«ثوابت الأمة»، يندرج تحت فقه الواقع السياسي، فبعد فشل وسيلة «مقاطعة» الانتخابات وعدم تحقيقها للأهداف السياسية المنشودة فمن الخطأ الاستمرار في نفس الوسيلة «الفاشلة» وتوقع نتائج مختلفة وايجابية !
كنت أتوقع من «حدس» أن تغير موقفها مبكرا، لأنها حركة إسلامية ولها خبرة سياسية كبيرة وعاصرت مشكلات سياسية مشابهة في السبعينيات والثمانينيات، وتوقعت كذلك ألا يستمر تجمع ثوابت الأمة في سياسة المقاطعة طويلا، لان ما يهدف إليه هذا التجمع الإسلامي من العمل البرلماني هو إنكار المنكر والحد من السلبيات الأخلاقية، ولذلك لا يهمه كثيرا شكل البرلمان أو طريقة انتخابه.
ولكن اللافت للنظر في كل تصريحات التجمعات السياسية المعارضة حول المقاطعة، هو تصريح حركة العمل الشعبي «حشد»، الذي جاء على لسان عضوها البارز خليفة الشمري عندما أعلن أن «قرار مشاركة الحركة في الانتخابات البرلمانية لن يناقش طالما أمين عام الحركة النائب السابق مسلم البراك في السجن»، فهذا التصريح الذي لم يتم نفيه من «حشد» الي الآن – يدل على أن الحركة لم تعد ترفض المشاركة في الانتخابات البرلمانية من حيث المبدأ، وإنما تشترط خروج مسلم البراك من السجن لمناقشة المشاركة في الانتخابات من عدمها.
ختاما، أثبتت تجربة الحراك السياسي في الأعوام الأخيرة، أن عمل التجمعات السياسية في البرلمان أكثر تأثيرا من عملها في الشارع.
كما اثبتت التجارب البرلمانية الكويتية أن من ينشد الإصلاح لن تعيقه طريقة تشكيل البرلمان، فأغلب رموز المعارضة الحالية كانوا من الفاعلين في برلمانات سابقة تشكلت وفق أسوأ قانون انتخابي وأقصد قانون الـ 25 دائرة والصوتين، والذي صدر مرسومه في ظروف دستورية صعبة وأقصد خلال فترة حل مجلس الأمة عام 1980. الخلاصة، الانتخابات القادمة مهمة جدا للجميع، حيث ستشارك كل القوى السياسية والاجتماعية، وربما يتخذ البرلمان القادم قرارات مهمة بعدة مسائل حيوية، لذلك نحن مقبلون على موسم انتخابي ساخن وعلى تدخلات من بعض الأطراف السياسية المهمة، والتي تريد مناصب في مجلس الأمة والحكومة القادمين.