على الرغم من الدور الإيجابي الهائل الذي أصبحت تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي في تنوير الشعوب، ودفعها للتغيير إلى الأفضل، وفتح عيونها على الكثير من الأمور التي لا يراد لهذه الشعوب الاطلاع عليه، فإن هذه الوسائل نفسها أصبحت تؤدي دورا سلبيا من خلال نشر الأخبار الكاذبة وتكرارها، لتصبح من المسلمات، ومن ذلك ما نُقل على لسان وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، والمرشحة الرئاسية، أنها أوردت في مذكراتها أن أميركا هي التي أسست داعش بغية تقسيم المنطقة! وغني عن القول إن الغالبية على استعداد لتصديق مثل هذه الادعاءات، على الرغم من عدم منطقيتها، فهذا أسهل من مهمة البحث في حقيقة ما قالت.
فجهل مجتمعاتنا، التعليمي والثقافي، خلق حالة من نقص المناعة العقلية والقدرة التحليلية ولو المتواضعة، والميل لتصديق مثل هذه الأخبار. وأجهزة المخابرات، وجهات محددة، تقف وراء نشر مثل الأكاذيب وتستفيد من ترويجها.
كما ورد في وسائل التواصل أن دونالد رامسيفلد، وزير دفاع أميركا إبان حرب أميركا ضد نظام صدام، أورد في مذكراته أن أميركا دفعت للمرجع الديني علي السيستاني 200 مليون دولار، لكي لا يعارض تدخلها العسكري في العراق! وواضح أن نشر مثل هذه الأكاذيب، ولست هنا في معرض الدفاع عن السيستاني، يخدم أطرافاً عدة.
ولكن المحير هو قيام دعاة بنشر أمور دينية غير دقيقة يسهل كشفها، والترويج لها كحقائق مسلم بها، وذلك بحجة الدفاع عن الدين وتقوية مركزه.
كما كان لهذه الوسائل دورها في بث الحيرة في قلوب الغالبية عن الجهة الحقيقية التي تقف وراء داعش، فقد اتهموا أميركا تارة، وإسرائيل تارة أخرى وشطح الخيال بفريق ثالث فاتهم إيران أولا ثم سوريا وقبلها السعودية وبعدها قطر وتركيا، إلى آخر ذلك من شطحات.
لقد اثبتت أفعال داعش في أوروبا وتركيا واليمن ومصر وليبيا والعراق، وتفجيراتها الدموية الأخيرة في معاقل الرئيس السوري، وتوسع أنشطتها الإرهابية لعشرات الدول الأخرى، أن كل ما قيل عن وقوف هذه الجهة أو تلك وراءها محض خيال، وحتى لو ثبت ذلك فإن المحرك الأول لأفعال داعش ليس ما يُدفع لها من مال أو يُعطى من ممر للحركة، فهذه الأمور لا يمكن أن تدفع المئات من الشباب المتعلم، والمرفه في أحيان كثيرة، لأن يلتحق بتنظيم إرهابي يقتل وقد يُقتل في النهاية، بل الخطورة تكمن أساسا في الفكر الذي يقف وراء تنظيم داعش وليس في التمويل والتسهيل. فهذا الفكر الذي لا تزال الكثير من المؤسسات الدينية مترددة في إدانته هو الوقود الذي تتغذى منه داعش وتدفع بالرجال، وحتى بالنساء، للتضحية بحياتهم وبأجسادهم بغية تحقيق حلم ما.