اشتباكات، ودماء، وجرحى، وتكسير، وغاز مسيل للدموع، وكلاب تجرها الشرطة. لم يكن ذلك ضمن مشاهد عنف سياسي أو إرهابي أو حتى مظاهرات، بل مشهد لما حدث في كأس أوروبا في فرنسا، عندما اشتبكت الجماهير الإنجليزية المتعصبة مع الجماهير الروسية المتعصبة الأخرى والشرطة الفرنسية وبعض من سكان مرسيليا الفرنسية، فكانت الحصيلة عشرات الجرحى ومن هم بحال خطرة عوضا عن الموقوفين. وقد أمضت الشرطة الفرنسية ثلاثة أيام في محاولات لتهدئة العنف في الشوارع، إلى أن أعلن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أنه سيجري تحقيقات عن الحوادث التي جرت بين الحشود إبان المباراة، مع قرار فرض إجراءات تأديبية صارمة على روسيا لدور مشجعيها في أعمال العنف.
هذا ما كان حديث العالم قبل أيام، هو الحدث الذي أخذ الأضواء من المباراة التي انتهت بالتعادل!. وقد اكتمل المشهد منتصف الليل بمواجهات بين فرنسيين ومشجعين من أيرلندا الشمالية في نيس. في الواقع، هذه المشاهد من العنف والوحشية والشغب ليست جديدة، بل قديمة قدم تاريخ كرة القدم نفسه، وكثيرة هي الأمثلة التي لا يمكن حصرها هنا. لكن المراقب سيكتشف أن أغلب الجماهير تميل إلى العنف أكثر خارج بلدانها مع مشجعين من دول أخرى ولا تقوم بذلك على أراضيها، على الرغم من مئات المباريات طوال العام في الداخل. مثال على ذلك الجماهير الإنجليزية التي تبدو في أشد حالات الانضباط في ملاعب بلادها هل هو التحرر من الانضباط والقانون المحلي.. أم المواجهة والتأثيرات الاجتماعية بين أعراق وقوميات وأخرى.. أم في مؤثرات الصراعات السياسية ..أم أنها الترسبات الرياضية.. أم مزيج بينها.. فلربما لم ينس الروس اتهامات الصحف البريطانية روسيا بالفساد بعد أن فازت بشرف استضافة “مونديال 2018″، حيث تفوقت روسيا على إنجلترا وملفين مشتركين بين الأول (إسبانيا والبرتغال) والثاني (هولندا وبلجيكا).
قرأت مرة دراسة روسية من معهد علم النفس التابع لأكاديمية العلوم الروسية تقول إن المجتمع الروسي يميل إلى العنف والنزاعات والغضب في العقود الثلاثة الأخيرة ثلاثة أضعاف ما كان عليه سابقا. كذلك بالنسبة للمشجعين الإنجليز الذين ضبطتهم قوانين مارجريت ثاتشر الصارمة في الملاعب المحلية إلى اليوم. إلا أن الأحداث العالمية لها تبعاتها، فالعالم يميل إلى أن يكون أكثر عنفا مما مضى، أكثر خوفا، أكثر قلقا وأقل أمنا. وتبعات الخوف والقلق والأمن تجر وراءها ارتفاع منسوب القومية ومن ثم تغيير القوانين وتراجع الحضارات وتشويه العلاقات البشرية والانقسامات الحادة. هذه التحديات ليست أقل خطرا على المديين القريب والبعيد من تحديات أخرى. وفي بلد، كفرنسا، شهد أخيرا عدة أحداث إرهابية منها انتحاريون حاولوا بداية دخول إحدى المباريات الودية بين فرنسا وألمانيا في استاد فرنسا الضخم، هناك تحديات كبيرة أمام الحكومة التي أعلنت حزمة خاصة من الإجراءات الأمنية، منها تسخير نحو 90 ألف فرد من الشرط والأمن وعمال الطوارئ. لكن الفعاليات الضخمة مثل بطولة “يورو 2016” لكرة القدم لا تغري الجماعات الإرهابية فحسب، بل إن العنف قد يمتد إلى الخلفيات والتبعات ومختلف الأيديولوجيات.